شبكة الموساد الخفية في إيران.. كيف اخترقت إسرائيل عمق الدولة العميقة؟

نديم شنر – كاتب وصحفي تركي/ بتصرف
على امتداد سنوات طويلة، نجح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي “الموساد” في بناء واحدة من أكثر شبكات التجسس تطورًا وتعقيدًا داخل العمق الإيراني. اختراقٌ ممنهج طال مختلف مفاصل الدولة، من المؤسسات المدنية والعسكرية إلى الدوائر الاستخباراتية العليا، مما مكن إسرائيل من تنفيذ عمليات نوعية، شملت اغتيالات استراتيجية، وتسريبات استخبارية، وهجمات سيبرانية، وعمليات تدمير مادي ونفسي عميق البنية.
سرقة الأرشيف النووي.. لحظة المفصل
في 31 يناير/كانون الثاني 2018، كشف الرئيس السابق للموساد يوسي كوهين تفاصيل ما وصفه حينها بـ”العملية المستحيلة”: الاستيلاء على الأرشيف النووي العسكري الإيراني من قلب طهران. العملية جرت بتنفيذ مباشر من 20 عنصرًا إيرانيًا غير حاملين للجنسية الإسرائيلية، بعد تدريبات مكثفة في مبنى مطابق شُيّد في دولة صديقة للمحاكاة الكاملة.
أُجريت العملية بصمت وبدقة، مع بث مباشر بلغة فارسية لفريق المتابعة في تل أبيب. عندها، أدرك الموساد أنه لم يحصل فقط على وثائق؛ بل على خارطة الطريق الكاملة للبرنامج النووي العسكري الإيراني.
في البداية، سُخِّف هذا الكشف داخل إيران، ووصفت الوثائق بالمزورة. غير أن الوقائع اللاحقة، لا سيما الهجمات الأخيرة في يونيو 2025، أكدت بما لا يدع مجالًا للشك عمق اختراق الموساد داخل الدولة الإيرانية.
اغتيالات جراحية وتفكيك البنية القيادية
ليلة 13 يونيو/حزيران 2025، لم تكن غارات جوية إسرائيلية فحسب؛ بل كانت عملية شاملة ثلاثية الأبعاد: طيران حربي، طائرات مسيّرة، وشبكة بشرية نشطة في الداخل. الاغتيالات التي نُفذت شملت قيادات من الصف الأول:
الجنرال محمد حسين باقري – رئيس هيئة الأركان العامة
اللواء حسين سلامي – قائد الحرس الثوري
علي رشيد – قائد مقر خاتم الأنبياء المركزي
داود شيحيان – قائد الدفاع الجوي
أمير علي حاجي زاده – قائد القوات الجوية
علي شادماني – قائد طوارئ الحرس الثوري
العملية لم تكن ضربة عسكرية فقط، بل تفكيكًا عضويًا للقيادة الإيرانية العليا.
الطائرات المسيرة: تفكيك الرد الدفاعي
الموساد لم يقتصر على المعلومات؛ بل بادر بتسريب قطع طائرات رباعية المراوح محملة بالمتفجرات إلى داخل إيران. عبر وسائل معقدة (حقائب سفر، شاحنات، حاويات شحن)، نُقلت هذه القطع وتم تركيبها من قبل فرق سرية بالقرب من منشآت حساسة، موجهة نحو منصات إطلاق الصواريخ ومراكز الدفاع الجوي.
هذه الضربات الاستباقية عطّلت الرد الإيراني، وأحدثت شللًا في أجهزة الاستجابة الفورية.
من الجواسيس إلى صُلب النظام
الاختراق بلغ حداً مذهلاً حين اعترف وزير الاستخبارات الإيراني السابق علي يونسي في 2022 أن الموساد “تسلل إلى جميع مفاصل الدولة خلال العقد الأخير”، مضيفًا أن “حياة كل مسؤول أصبحت في خطر دائم”.
وفي تصريحات سابقة، أكد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد أن أحد كبار مسؤولي مكافحة الموساد كان في الواقع عميلًا له. هذه الشهادة تؤكد أن الاختراق لم يعد على الأطراف؛ بل في صلب مركز القرار.
اغتيالات ما بعد الرئاسة.. رسائل واضحة
في يوليو 2024، وبعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث طائرة غامض، شهدت إيران فترة انتقالية حساسة. لكن الموساد، حسب تقارير، حضر مراسم التنصيب ليطلق بعدها عملية نوعية: اغتيال إسماعيل هنية، قائد حركة حماس، داخل منشأة محصنة تابعة للحرس الثوري، بتواطؤ عناصر من داخله.
أما الضربة الأشد، فكانت في سبتمبر 2024، باغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وعدد من قياداته من الصف الأول، بينهم:
سامي طالب عبد الله – قائد وحدة ناصر
محمد نعمة ناصر – قائد وحدة عزيز
فؤاد شكر – القائد العسكري الأعلى
إبراهيم عقيل – قائد وحدة الرضوان
محمد حسين سرور – قائد الوحدة الجوية
إبراهيم محمد قبسي – قائد بارز
اغتيالات متتابعة ومتزامنة، تؤكد دقة المعلومات وفعالية الاختراق.
الجاسوس في العباءة
اللافت أن معظم العمليات، خاصة التي استهدفت شخصيات مثل نصر الله، تمت بناءً على معلومات من داخل النظام الإيراني نفسه. وفق مصادر صحفية، فإن عميلاً من داخل الدولة الإيرانية هو من سرّب خط سير نصر الله قبل أيام من اغتياله.
وقد صرّح محمد علي الحسيني، الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، بأن “إيران باعت نصر الله مقابل الحلم النووي”. وأضاف متوعدًا: “كل من سيخلفه سيُقتل”.
شبكة إقليمية لا تعرف الحدود
الموساد اليوم لا يعمل داخل إيران فقط، بل يمتلك أذرعًا ممتدة في لبنان، سوريا، العراق، وحتى بعض دول الخليج، وفق تقارير دولية متعددة. وتحوّل من جهاز استخبارات إلى منظومة هجومية عالية الكفاءة، تهدد البنى السيادية لدول المنطقة.
خلاصة
إن ما تكشفه الوقائع المتواترة هو أن الموساد لم يعد مجرد جهاز استخبارات تقليدي، بل منظومة استراتيجية هجينة، تجمع بين الذكاء الاصطناعي، العمل الميداني، وتجنيد النخب. وبينما تكافح إيران اليوم لإعادة هيكلة أمنها الداخلي، تبقى معركة الشبكات الاستخباراتية في الشرق الأوسط مفتوحة، والموساد في قلب العاصفة.