دكاترة موريتانيا .. صرخة كفاءات ضائعة وسط دهاليز الزبونية والتغاضي الرسمي

في قلب العاصمة نواكشوط، يتواصل الاعتصام المفتوح الذي يخوضه عدد من الدكاترة أمام مقر اللجنة الوطنية للمسابقات منذ تسعة أشهر، في مشهد يعكس عمق التوتر بين أصحاب الشهادات العليا والجهات الرسمية المشرفة على الاكتتاب في مؤسسات التعليم العالي. وقد جاء تعميم الوزير الأول المختار ولد اجاي، الصادر يوم أمس، ليمنح دفعة رمزية لهذا الاعتصام المزمن، لكنه في الوقت نفسه كشف الستار عن هشاشة بنيات التوظيف العمومي التي طالما اشتكى منها هؤلاء الدكاترة.
ففي بيان وقّعته الدكتورة أسماء عبد الرحمن، عبّر الدكاترة المعتصمون عن اعتبارهم تعميم الوزارة الأولى الأخير يشكل “إعلانًا رسميًا نادرًا عن حجم الاختلالات” التي وصفوها بأنها تنخر جسم الإدارة العمومية، لا سيما في مجال الاكتتاب والتعيين. وقال البيان إن المسابقة الأخيرة الخاصة بالتعليم العالي مثّلت نموذجًا صارخًا لما سمّوه “انفلاتًا إداريًا ممنهجًا”، ناتجًا عن تراكمات من التجاوزات وتغييب متعمّد لمبدأ الشفافية والمساءلة.
وبينما يحرص المعتصمون على التأكيد بأن التشريعات ليست هي المشكلة، فإنهم يحمّلون “شبكات النفوذ” المسؤولية عن الالتفاف على النصوص القانونية، وتحويل الوظيفة العمومية إلى غنيمة شخصية تُوزّع وفق اعتبارات الولاء والانتماء، لا وفق معايير الكفاءة والمؤهل العلمي. ووصفوا ذلك بأنه نهج أدى إلى تهميش كفاءات وطنية، وساهم في إضعاف المخرجات الجامعية، وفي تكريس ممارسات محبطة للأمل الوطني في الإصلاح.
مطالب المحتجين لم تكن فضفاضة أو تعجيزية، بل تركزت حول دعوة الجهات الرقابية إلى فتح تحقيق نزيه وشامل في مسابقة اكتتاب 100 أستاذ لصالح مؤسسات التعليم العالي، وإعادة تنظيمها على أسس قانونية واضحة تراعي مبدأ تكافؤ الفرص. كما كشف البيان عن تجاوزات محددة، منها إقصاء 189 مترشحًا مؤهلًا في مرحلة الفرز الإداري، وتمرير أسماء غير مستوفية لشروط الترشح، بل وبعضها غير متخصص أصلًا في مجالات المقاعد التي شغلها.
وأشار المعتصمون إلى أنهم سلّموا الوزارة الأولى ملفًا موثقًا يحتوي على ما وصفوه بـ”الأدلة الدامغة” على التلاعب، وعبّروا عن أملهم في أن تترجم بوادر تجاوب الوزارة الأولى إلى إجراءات عملية تُنصف المظلومين وتعيد ثقة المواطنين في أجهزة الدولة.
وفي ختام بيانهم، وجّه المعتصمون تساؤلًا مؤلمًا: “ما السر في الصمت الرسمي تجاه لجنة تعبث بمستقبل أجيال كاملة من طلاب التعليم العالي؟”، معتبرين أن المسؤولية التاريخية تفرض محاسبة كل من ساهم في تلويث نزاهة المسابقات، وإعادة الاعتبار للمنافسة العادلة التي نصّ عليها القانون.
بهذا الاعتصام الطويل، لا يطالب الدكاترة المعتصمون بمنصب أو مكسب شخصي، وإنما يعبرون عن أزمة بنيوية تمس صميم العدالة الوظيفية، وتحاكي وجع نخبة وطنية ترى أحلامها تتبخر على أرصفة الانتظار المجهول.