الموعد مع الموت بقلم : حنفي ولد دهاه/ بتصرف

الموعد مع الموت
بقلم: حنفي ولد دهاه
من أعالي التلال التي تعصف بها رياح الإحباط، ومن نصال اليأس المتكسرة على مثيلاتها، يتسلل إلينا بصيص أمل، يحمل وعدًا بانتهاء رحلة التيه الطويلة نحو “صنعاء”.
فهل تكون هذه نهاية أربعة وستين عامًا من الترحال الضائع، عبر صحارى موحشة، في مسير لا يبلّغ غاية، ولا يبقي على عزيمة؟
حتى السجناء يغذّون أرواحهم بأمل ضئيل، فكيف لا نعلّق قلوبنا بقشة؟ كيف لا نحاول النجاة، ولو على قشرة موز تتقاذفها الأمواج؟
سنحاول. وسنظل نركض خلف السراب، حتى نزرع البحر، ونورق النار، وتلتهم أنياب الفساد نفسها.
لقد حاولوا اغتيال الأمل مرارًا، بمداهماتهم الباردة، وبكل مرة يهمّ فيها نور الفجر بالتسلل إلى أرواحنا المثقلة بالخذلان، يغتالونه بسهم من ظلمة الليل الأخيرة.
نعيش بالأمل، وهم يعبثون بخيبته. بالكلمة التي تذبح أختها، وبالكذبة التي يُعاد تعبئتها كل مرة، كأنها جديدة.
لا يزال الباطل يطفو، ولا تزال الشفرة أسرع من كل عنق وطنية. الذئاب تتقن ارتداء وجوه الحملان، والغني المتغطرس يزاحم الفقير على فتات مائدته.
لا تدبير في التدمير، ولا تفكير إلا بما يضمن البقاء الغريزي: تبنٌ، وعلف.
دعهم يملؤون غدنا بوعود خاوية، وسماءنا برعود جوفاء. يداعبون أحلامنا بريش نعام، ثم نفيق على صفعة الواقع المُرّ.
لن نحظى بغد أفضل ما لم نستعد اليوم، وننفتح على طوفان العصر، ونروِ شجرة الحرية، ونستنشق عبير القيم الحديثة، ونقدّس الحق العام.
لن نبني المستقبل ما دامت القبيلة تنهش جسد الوطن، وما دام النسب أهم من العقل، والقريب أحق من الكفء، وما دام الفارابي يبعثر أفكاره ضاحكًا باكيًا، وزرقاء اليمامة قد علاها الصدأ، فجحظت عيناها دون أن تبصر.
هل سنبقى نلهث خلف وهمٍ يتدحرج من ذرى “سلمى” و”أجأ”، حتى إذا أعيتنا الأنفاس، استسلمنا لصليل الأوسمة، وصلابة الأحذية، وصهد المدافع؟
نستحق ما نحن فيه: تغييب العقل، وحجر الفكر، ووصاية على الوجدان. كما تستحق المؤخرة المترهلة أعقاب السجائر التي تطفأ فيها بلامبالاة.
فلنكن، ولنراوغ الموت الذي لم يألفنا يومًا، حتى يتأخر عن موعده كغيره من مظاهر هذه الأرض التي اعتادت التأخر، إلا هو.
والسلام عليكم.