رأي آخر

هل تتقاعد الأمهات؟لا وربّ العزّة! : الدكتور مولاي عبد القادر مولاي إسماعيل

حينما قرر الزمن أن يمنح أمي الغالية فترة استراحة بعد أكثر من 35 سنة من الخدمة الصادقة للوطن، شعرت بأنني أمام لحظة تفيض بالمشاعر والتأمل. سنوات طويلة قضتها موظفة في الخزينة العامة للدولة، مرورًا بمناصب مختلفة، صنعت خلالها سجلًا مشرفًا يعكس قيم الالتزام والانضباط.

لكن السؤال الذي أطرحه على نفسي الآن: هل يمكن للأمهات أن يتقاعدن؟ لا ورب العزة، فالأمهات معين لا ينضب من العطاء. أمهاتنا لا يتوقفن عن البناء، ولا ينكسر لهن جناح في مسيرة الحب والرعاية التي تُنبت الأجيال وتُعمّر الأوطان.

أمي التي لا تشبه أحدًا
أكتب هذه الكلمات متسائلًا: كيف يمكنني أن أعبّر عن كل ما أكنّه لأمي في كلمات؟ أمي، التي كانت دائمًا المثال الأعلى لنا، في الصبر، والإيثار، وحسن القيادة، سواء داخل بيتنا أو في مجال عملها. جمعت بين المهنية المتفانية والحنان الذي يفيض من قلبها. كانت نموذجًا للمرأة التي أتقنت الموازنة بين دورها كأم عظيمة وموظفة كفؤة، لم تترك يومًا مجالًا للتقصير في أي جانب من جوانب حياتها.

حياتنا في كنف أم عظيمة
منذ أن كنت صغيرًا، كانت أمي المصدر الأول لكل القيم النبيلة التي تشكّلت فيّ وفي إخوتي. علمتنا أن النجاح لا يأتي إلا بالجد والاجتهاد، وأن العطاء بلا انتظار للمقابل هو ما يصنع الأثر الحقيقي. غرسَت فينا حب العلم واحترام الوقت والتفاني في العمل. لم تكن فقط منارة تهدي طريقنا، بل كانت أيضًا حصنًا نحتمي به، في الأوقات الصعبة والمواقف العصيبة.

تقاعد الأم.. مجرد بداية جديدة
اليوم، ومع انتقال أمي إلى مرحلة التقاعد، أشعر بالفخر أكثر من أي وقت مضى. فقد أتمت مسيرتها المهنية بشرف وعفة، وكانت مثالًا يحتذى به في زمن كان فيه الحفاظ على النزاهة تحديًا. ورغم كل المسؤوليات التي حملتها على عاتقها، لم تبخل يومًا بحبها ووقتها وجهدها لأجلنا.

لكن هل يعني التقاعد التوقف؟ بالنسبة للأمهات، الجواب هو لا. فقلب الأم لا يعرف معنى للراحة حين يتعلق الأمر بعائلتها. حضورها الدائم، نصائحها الصادقة، ودعواتها التي ترافقنا أينما ذهبنا، هي دليل على أن دور الأم يتجاوز أي حدود زمنية أو مهنية.

كلمات امتنان من قلب الابن
أمي الحبيبة، لا تكفي الكلمات ولا العبارات للتعبير عن حبي وامتناني لكِ. كنتِ ولا تزالين مصدر إلهامي الأكبر. علمتِني أن الأخلاق هي أساس كل نجاح، وأن الاحترام هو مفتاح كل علاقة. الآن، بعد أن أديتِ دورك المهني بأمانة لا مثيل لها، أتمنى أن تجدي الوقت الكافي للاستمتاع بثمار عطائك، بين العبادة وصلة الأرحام والتأمل.

شكراً لكِ يا أمي، ليس فقط لأنكِ كنتِ أمًّا رائعة، بل لأنكِ كنتِ النموذج الذي صنع منا أشخاصًا أفضل. أحبكِ كثيرًا، وأدعوكِ دائمًا أن تظلي كما كنتِ: نورًا لا ينطفئ في حياتنا.

ابنك المحب والممتن،
فخور بكِ دائمًا.

عن الأخبار بتصرف

زر الذهاب إلى الأعلى