ثقافة

تمحو إسرائيل آثار الفلسطينيين ووجودهم في المتحف: الاستعمار المؤرخ وتداعياته

منذ بداية تأسيسها، يبدو أن محو فلسطين ووجود الفلسطينيين كان مهمة مُسعى إسرائيلي مستمر. تُعَدُّ أسطورة “أرض بلا شعب” جزءًا من عقيدة تأسيس إسرائيل، وأصبحت واضحة جليًا خلال أحداث النكبة عام 1948 عندما تم اقتلاع القرى والمدن الفلسطينية من أراضيها بحملة عسكرية منهجية. لا يزال استمرار السياسات العنيفة والاستيطانية تجاه المجتمع الفلسطيني يؤكد إرادة الإسرائيلية في محو هويتهم ووجودهم.

ومع ذلك، ليس الهدف الوحيد هو التطهير الجسدي والمادي للفلسطينيين، بل يتم أيضًا تحقيق “الاقتلاع والمحو” عبر إعادة صياغة التاريخ وتحريف الأحداث الماضية. تلعب المتاحف الإسرائيلية دورًا حيويًا في هذا الجهد الاستعماري، حيث تعكف على تسليط الضوء على تراث التاريخ اليهودي في أراضي فلسطين ومحاولة منحها الطابع الإسرائيلي. في المقابل، يتم التركيز على تعزيز الجهل وإخفاء الحقائق حول أن الجامعة العبرية بنيت بالفعل على أراضٍ فلسطينية مسروقة.

هذا الجهد المستمر للمحو يؤكد التزام إسرائيل بالسيطرة على التاريخ والمساهمة في تمحيص ذاكرة الشعب الفلسطيني ومحو هويتهم الوطنية والثقافية. وهو ما يشير إلى ضرورة العمل على توثيق التاريخ الحقيقي والحفاظ على الهوية الفلسطينية المستمرة رغم كل التحديات.

رعب المتاحف الإسرائيلية

قبل نحو شهر ونصف تقريبًا، أثار قرار الاحتلال بتحويل قلعة القدس التاريخية، المعروفة أيضًا باسم قلعة باب الخليل والتي تقع في منطقة البلدة القديمة، إلى متحف يحمل اسم “قلعة داود” استنكارًا واستنكارًا من جهات فلسطينية. حيث أكدت أن هذا القرار يشكل اعتداءً صارخًا على تاريخ المدينة وتزييفًا للوقائع التاريخية.

وبحسب سومديب سين، يتولى “متحف برج داود” دورًا في تغييب الوجود الفلسطيني أيضًا، إذ يظهر موقع المتحف على الإنترنت أن قلعة القدس هي “نقطة التقاء القديم والحديث، الشرق والغرب، التاريخ والابتكار، التجربة والإبداع”، ويتناول تاريخ القدس بطريقة تجمع بين أهمية القلعة لليهودية والمسيحية والإسلام، حسب وصف المتحف نفسه.

ويثير هذا التعريف تساؤلات حول التلاعب بالحقائق التاريخية والتاريخ الفلسطيني، إذ يغفل المتحف عن دور القلعة الأصيل والعريق في التاريخ الفلسطيني وتراثها الثقافي. إن هذا المحاولة للإقحام الأديان في الموضوع قد تسهم في تهويد تاريخ المدينة وتجاهل الهوية الفلسطينية الأصلية والمرتبطة بالقلعة عبر العصور.

بهذا يبرز أهمية العمل على الحفاظ على التاريخ والثقافة الفلسطينية والتأكيد على وجودها الأصيل في القدس ومناطق أخرى، مع تجاوز التدخلات التاريخية المشوبة بالتحيز والانحياز.

عام 1967، مع احتلال شرقي القدس، استولت إسرائيل على القلعة وقامت بتحويلها إلى متحف يُعرف بمتحف “برج داوود” أو “متحف تاريخ أورشليم القدس”، وفي هذا السياق، حالت دون إقامة الصلوات المباشرة في مسجدي القلعة القريبين من باب الخليل، وهو أحد أبواب البلدة القديمة للقدس.

أُثيرت دومًا اتهامات لهذا المتحف بأنه يسعى إلى محو التراث الإسلامي والفلسطيني بشكل منهجي، حيث قامت هيئة الآثار الإسرائيلية بإزالة القبة والهلال من مئذنة القلعة، واشتملت الشروحات الواردة عن القطع الأثرية بوضوح على السمات “اليهودية” و”المناظر الوطنية الإسرائيلية” المُرتبطة بها.

هذه الإجراءات تسببت في تشويه الواقع التاريخي والثقافي للقلعة والمنطقة المحيطة بها، وتعد هذه الخطوات جزءًا من جهود إسرائيل في تغيير التاريخ المرتبط بالموقع، وإلغاء الهوية الإسلامية والفلسطينية الأصلية المرتبطة به. وتُظهر هذه الأفعال الجهود المستمرة لتشويه التاريخ والمحاولات الهادفة إلى تزييف الماضي لصالح السياسات الاستيطانية الإسرائيلية.

زر الذهاب إلى الأعلى