الأخبار العالمية

مقتل “جلحة” قائد الدعم السريع الميداني.. روايات متضاربة وخفايا الصراع الداخلي

لا يزال السودانيون يتداولون الروايات والسيناريوهات المختلفة حول مقتل القائد الميداني البارز في قوات الدعم السريع، رحمة الله المهدي، المعروف باسم “جلحة”، والذي لقي مصرعه في الخرطوم يوم الثلاثاء الماضي.

يُعد “جلحة” من أبرز قادة الدعم السريع، حيث كان يتنقل بقواته بين مختلف المحاور في الخرطوم والجزيرة وكردفان، كما كان نشطًا على منصات التواصل الاجتماعي.

في هذا التحقيق، تسعى الجزيرة نت إلى استعراض الروايات المتعددة حول مقتله، حيث يرى مراقبون أن العملية نُفذت بأسلوب أشبه بتصفية المنافسين في عالم المافيا. في حين يشير البعض إلى وجود اتصالات غامضة بين “جلحة” والجيش السوداني، مع تساؤلات حول دور الوسطاء في تلك المحادثات.

لغز مقتله

نعى بعض قادة قوات الدعم السريع الجنرال “جلحة”، لكن غيابه أثار العديد من التساؤلات حول مكان وطريقة مقتله. وبينما لم تُحسم الرواية الرسمية، تحدثت تقارير عن احتمال تصفيته من قِبل رفاقه في الدعم السريع، على خلفية خلافات داخلية. فقد كان “جلحة” شخصية مثيرة للجدل، يجذب الأضواء عبر وسائل التواصل، في حين أن معظم قادة الدعم السريع يتحركون بحذر بعيدًا عن العلن.

بدايات مشاغبة

برز رحمة المهدي، الملقب بـ”جلحة”، من عمق البادية، حيث لم يتلقَ تعليمًا نظاميًا، لكنه وجد طريقه إلى الواجهة بعد اتفاقية السلام الشامل لعام 2005، مستغلًا المناخ السياسي الجديد للمطالبة بحقوق المناطق المنتجة للنفط في جنوب وغرب كردفان.

قدم نفسه كقائد لحركة “شجعان كردفان”، وفي أحيان أخرى، زعم أنه يقود قوات “التدخل السريع”، مدعيًا امتلاك جيش جرار قادر على خوض حروب عبر القارات. إلا أن مصدرًا أمنيًا نفى ذلك، مؤكدًا أن عدد قواته لم يتجاوز 200 فرد في أفضل الأحوال.

بندقية للإيجار

انتقل “جلحة” إلى ليبيا بحثًا عن فرص أفضل، لكنه وجد نفسه وسط الفوضى التي أعقبت ثورة 2011، حيث انتشرت ظاهرة المرتزقة القادمين من دول الجوار. انضم إلى قوات الجنرال خليفة حفتر، واستمر في إثارة الجدل من خلال ظهوره المتكرر على وسائل التواصل الاجتماعي بخطابات حماسية.

بعد اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، ومع تصاعد خسائر قوات الدعم السريع، عاد “جلحة” إلى البلاد في سبتمبر من نفس العام. لكن عودته لم تكن سلسة، إذ لم يكن على وفاق تام مع نائب قائد الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، حيث أظهر نزعة استقلالية، مقدمًا نفسه كقائد لقوات “التدخل السريع”، كما لعب على الوتر القبلي بين قبيلته “المسيرية” والقيادة العليا للدعم السريع المنتمية إلى “الرزيقات”.

شبيه القذافي

يرى الصحفي محمد حامد جمعة أن “جلحة” لم يكن يخوض المعارك الكبيرة بجانب قوات الدعم السريع، بل كان يعتمد على خطاباته الحماسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقدمًا صورة شعبوية، وأحيانًا متناقضة، جعلته يبدو وكأنه يستلهم شخصية العقيد معمر القذافي في أدائه السياسي والمسرحي.

كان يُعرف بلهجته الليبية، وطريقته الخاصة في الخطابة، التي مزج فيها الأمثلة الشعبية والآيات القرآنية، ما أكسبه جمهورًا من المتابعين، رغم أن خطابه افتقد للتماسك. إلا أن مصدرًا أمنيًا وصفه بأنه “مهرج مسرحي” أكثر من كونه قائدًا عسكريًا.

خلافات علنية ومستترة

خاض “جلحة” صراعات متعددة داخل الدعم السريع، إذ منح نفسه رتبة “فريق”، وادّعى قيادة “قوات التدخل السريع”، ما أثار حفيظة القيادات العليا. كما دخل في خلاف مباشر مع نائب قائد الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، حيث بدا أن المنافسة بينهما تتجاوز الحدود العسكرية إلى الأبعاد القبلية.

الخلاف بلغ ذروته عندما وصف عمران عبد الله، مستشار حميدتي، “جلحة” بأنه مجرد “جندي”، مما أثار غضب أنصاره، وكاد أن يؤدي إلى انقسام داخل قوات الدعم السريع، قبل أن يضطر عمران إلى الاعتذار علنًا عن تصريحه.

اتصالات مع الجيش

بعد سيطرة الجيش السوداني على مدينة ود مدني، لم ينسحب “جلحة” نحو مواقع الدعم السريع، بل بدا أنه يسعى للتموضع بالقرب من الجيش، ما أثار الشكوك حول نواياه.

بحسب الصحفي محمد حامد جمعة، فإن بعض قيادات قبيلته “المسيرية” توسطوا بينه وبين الجيش السوداني، الذي رأى فيه فرصة للاستفادة من نفوذه القبلي. لكن مع تزايد الرقابة عليه، وجد “جلحة” نفسه في موقف حرج، حيث أصبح محاصرًا بين قادة الدعم السريع والجيش السوداني.

رواية الدعم السريع

جاء إعلان مقتل “جلحة” عبر تغريدة لعمر جبريل، أحد قادة الدعم السريع، دون تفاصيل واضحة عن الحادثة.

في المقابل، صرّح القيادي حسبو أبو الفقراء، أن “جلحة” قُتل في كردفان نتيجة استهدافه بطائرة مسيرة تابعة للجيش السوداني، بينما أكد آخرون أن مقتله وقع في منطقة شرق النيل، شمالي الخرطوم، حيث أظهر أحدهم في مقطع مصور أنه كان برفقة “جلحة” وقت استهدافه.

نهاية غامضة

مع تضارب الروايات حول مقتل “جلحة”، يبقى الغموض يلف مصيره، وسط تساؤلات حول ما إذا كان اغتياله نتيجة تصفية داخلية أم استهداف مباشر من الجيش السوداني. ما هو مؤكد أن الرجل الذي صنع لنفسه هالة إعلامية، اختفى في ظروف دراماتيكية، تاركًا وراءه الكثير من التساؤلات التي ربما لن تجد إجابة قريبة.

زر الذهاب إلى الأعلى