ثقافة

الحرب الإيرانية الإسرائيلية: بين إرث العرب والفرس واستراتيجيات الغرب

«من لا يقرأ التاريخ محكومٌ بأن يعيده مأساةً» — هكذا يمكن اختصار ما يجري اليوم في الشرق الأوسط من تسعيرٍ لحربٍ إيرانية إسرائيلية باتت عنوانًا لصراعٍ أوسع يُراد له أن يمزق وحدة المسلمين ويستنزف ثرواتهم إلى آخر قطرة.

الإرث التاريخي للعلاقات العربية الفارسية

قبل الإسلام، لم يكن العرب والفرس غرباء عن بعضهم؛ فقد جمعتهم حدودٌ واسعة، وتجاذبهم الصراع والتحالف في آنٍ واحد. الإمبراطورية الساسانية كانت القوة الأبرز في فارس، وفي المقابل عاشت القبائل العربية على أطرافها، تدفع أحيانًا الجزية أو تحارب لأجل النفوذ.

ثم جاء الإسلام، فوحّدهم تحت راية واحدة، وساهم الفرس بدورٍ كبير في الحضارة الإسلامية: ترجمةً، وعلمًا، وفقهًا. ورغم فترات التنافس السياسي، ظلت رابطة الدين والثقافة حائلًا دون أن يتحول الخلاف إلى كراهية وجودية.

لكن الغرب، بعد سقوط الخلافة، أدرك أن شقَّ هذا الرابط سلاحٌ فعالٌ لإبقاء هذه المنطقة تحت الهيمنة.

إسرائيل: قاعدة الغرب الدائمة

لم يكن زرع إسرائيل في قلب الأمة العربية إلا ترسيخًا لقاعدة عسكرية متقدمة للغرب. ومع كل أزمة يثبت الغرب أنه لا يتوانى عن استخدامها لترهيب العرب، ابتزازهم، واستنزاف خيراتهم. الأدهى أن بعض الأنظمة العربية، رغم يقينها بهذه الحقيقة، ما زالت توظف أموالها في مشاريع تخدم بقاء هذه القاعدة وتُمكِّنها من التوسع وإبادة وتشريد الفلسطينيين.

خلق «البعبع» الإيراني

هنا أدرك الغرب أنه بحاجة إلى «عدو احتياطي» للعرب غير إسرائيل، فكان المشروع أن يتحول التشيع السياسي إلى فزاعة: «إيران ستبتلعكم». وتم تضخيم النزاع الطائفي ليُغطّي على حقيقة الصراع الأصلي مع الكيان الصهيوني. وكي تكتمل اللعبة، يدفع العرب مليارات الدولارات لشراء السلاح من الغرب لحماية أنفسهم من إيران، في حين تُضرب غزة بصواريخ ممولة من جيوبهم أنفسها.

إعادة ابن الشاه: عودةٌ إلى مربع التبعية

من خلف الستار، تُحرك بعض الدوائر الغربية أوراقًا قديمة، أبرزها إعادة نجل الشاه المخلوع ليكون «واجهة حداثة» تعيد إيران إلى بيت الطاعة الأمريكي. لكن الرهان على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء تجاهل أن المجتمع الإيراني تغيّر، رغم أخطاء نظامه الحالي.

سيناريو يقلب الطاولة على الغرب

لمواجهة هذه المؤامرة المستدامة، يمكن تخيل سيناريو واقعي وعقلاني يضع العرب وإيران على مسار المصالحة التاريخية:

  1. وقف تصدير الثورة: تلتزم إيران علنًا بوقف أي دعم لحركات أو ميليشيات خارج حدودها، وتعيد صياغة عقيدتها الأمنية على أساس الدولة الوطنية.
  2. اتفاق ضمان أمن متبادل: يعقد العرب وإيران اتفاقًا جماعيًا لحفظ أمن الخليج واليمن ولبنان وسوريا دون تدخل خارجي.
  3. توحيد جبهة دعم فلسطين: تُحوَّل الأموال العربية التي تُهدر على شراء الأسلحة الغربية إلى مشاريع تنموية ودفاعية حقيقية تحفظ الوجود الفلسطيني.
  4. إخماد الحرائق في القرن الإفريقي: يوقف العرب وإيران دعم أي قوى تقسيمية في السودان والصومال ويعملون على ردع تمدد أثيوبيا إذا تجاوز حدوده.
  5. مصالحة مغاربية صادقة: يُدفن مشروع زرع الفتن بين المغرب العربي عبر دعم الحوار والتعاون الأمني والاقتصادي المشترك.
  6. آلية رقابة مشتركة: تنشأ لجنة دائمة عربية-إيرانية لمراقبة الالتزام بهذه التعهدات وضبط أي محاولات غربية لإعادة إذكاء التوتر.

إن لم يحدث ذلك، فإن مشروع «بلقنة» الشرق الأوسط وتمزيق نسيجه الاجتماعي والثقافي سيبلغ ذروته، وقد نرى نسخةً عربية من مصير يوغوسلافيا في القرن الماضي.

إن المصالحة بين العرب وإيران لم تعد ترفًا أو شعارًا رومانسيًا؛ بل ضرورة استراتيجية حتمية إذا أراد المسلمون قطع شريان الحياة عن القواعد العسكرية المزروعة بينهم — من تل أبيب إلى القواعد الأمريكية في الخليج.

فالطريق إلى فلسطين لا يمر فقط عبر مواجهة إسرائيل، بل أيضًا عبر مواجهة أوهام التفرقة التي صنعتها عقلية الاستعمار ذاته.

زر الذهاب إلى الأعلى