ثقافة

رحلة اكتشاف الإسلام في اليابان: من ابن بطوطة إلى الإصلاحات الحديثة

في وقت كتابة هذا المقال عن الثقافة اليابانية، يكون موسم تفتح أزهار الكرز قد بلغ ذروته، وهو موسم “الساكورا” الذي يعد بداية لفصول جديدة في الطبيعة. ربما يُجسد الكرز أكثر من أي شيء آخر الولع الياباني بفلسفة الأشياء وفهم الطبيعة ومحاولة حل أسرارها. إذ يرمز الكرز إلى الحياة السريعة الزوال في عالم دائم التغير، في بلد ينمو بقوة ويحمل شغفًا كبيرًا بالاكتشافات العلمية والتجريب، ويقدّر الجواهر الفلسفية للأشياء.

وربما يتزامن موسم الساكورا مع نشر مقال عن العلاقة بين الإسلام واليابان، حيث يمكن رؤية تطور اليابان في هذا المجال عبر التاريخ، بدءًا من الرحالة والمكتشفين الذين جلبوا المعلومات عن العالم الإسلامي. ولكن كيف بدأت العلاقة بين اليابان والإسلام؟ وكيف تأثرت اليابان به؟ هذا ما سنحاول استكشافه في هذا المقال.

الرحلة الأولى: اللغز الذي لم يُحلّ لا تبدأ القصة التقليدية مع اليابان، بل مع لغز يحتاج إلى تفسير. في رحلته الشهيرة إلى الصين، ذكر ابن بطوطة بلدًا تُدعى “طوالسي”، التي أرسى في أحد مرافئها الكبرى، حيث التقى بأميرة محاربة تتحدث التركية وتحدثت عن الحروب المستمرة بين طوالسي والصين، والتي انتهت بفوز طوالسي. هذا الوصف أثار جدلًا بين الباحثين حول مكان هذه البلاد، فبعضهم اعتقد أنها اليابان، وآخرون رأوا أنها الفلبين أو تشامبا في فيتنام. لكن لم يتمكن أحد حتى الآن من تأكيد هذه الفرضيات، حتى بعد دراسات مستفيضة قام بها الباحث عبد الهادي التازي.

ومع ذلك، هناك أدلة تدعم فرضية أن “طوالسي” قد تكون اليابان، حيث كان هناك صراع فعلي بين اليابان والصين في الفترة التي تلت زيارة ابن بطوطة. فهل كانت طوالسي هي اليابان حقًا؟ هذا يبقى سؤالًا مفتوحًا.

اليابان: من العزلة إلى الانفتاح في العصور الحديثة، تحديدًا في عام 1639، قررت اليابان إغلاق حدودها بشكل كامل خلال حكم شوغون التوكوغاوا. تم منع الدخول أو الخروج من البلاد، حتى أن اليابانيين لم يُسمح لهم بالعودة. كانت اليابان في فترة طويلة من العزلة، ولكن مع بداية القرن التاسع عشر، فرضت الولايات المتحدة على اليابان التوقيع على اتفاقات تجارية في عام 1854م، مما أنهى سياسة العزلة. وكانت هذه بداية ضعف الشوغونية وتغيرات سياسية عميقة، حتى تولى الإمبراطور ميتسوهيتو (ميجي) السلطة في عام 1868، حيث بدأ عصر الإصلاحات الذي جعل اليابان تواكب التطورات الغربية.

الإصلاحات اليابانية: فرصة لاكتشاف الإسلام على الرغم من الإصلاحات العميقة التي شهدتها اليابان، لم يكن اكتشاف الإسلام جزءًا من أولويات الحكومة اليابانية في البداية. ولكن مع بداية الإصلاحات، تم إرسال بعثات يابانية إلى الخارج منذ عام 1871 للاطلاع على تجارب الغرب في مختلف المجالات، من بينها الصناعة والتجارة، وقد نقلت هذه البعثات العديد من الانطباعات حول العالم الإسلامي.

في تلك الفترة، كانت اليابان مهتمة بإصلاحاتها الداخلية ولم تكن منشغلة كثيرًا بالإسلام. ومع ذلك، كانت هناك زيارات دبلوماسية بين اليابان والإمبراطورية العثمانية، ما ساهم في بداية تعرف اليابان على الإسلام بشكل أوسع.

التوسع نحو آسيا: اكتشاف المجتمعات المسلمة مع التوسع الياباني نحو كوريا والصين وروسيا، بدأت اليابان في التعرف على المجتمعات المسلمة في هذه البلدان. كانت الحرب اليابانية الروسية قد جعلت اليابان على تماس مباشر مع المجتمعات المسلمة في هذه المناطق، وهو ما دفعها لجمع معلومات عن هذه المجتمعات وظروفها.

تُعد زيارة الشيخ عبد الرشيد إبراهيم في بداية القرن العشرين من أهم اللحظات في اكتشاف الإسلام في اليابان، حيث أسهم في نشر الفكر الإسلامي بين اليابانيين. كانت هذه الزيارة نقطة تحول في العلاقة بين اليابان والإسلام، حيث أسلم العديد من الشخصيات اليابانية مثل تاكيوشي أوهارا، الذي اعتنق الإسلام وأدى فريضة الحج.

اليابان والإسلام: تفاعل مستمر تاريخيًا، كان اكتشاف الإسلام في اليابان رحلة طويلة، بدأت من خلال السفر والاستكشاف، وصولًا إلى العلاقات الدبلوماسية والبعثات، وكذلك تأثير الإصلاحات العثمانية. ومع مرور الوقت، أصبح للإسلام حضور متزايد في اليابان، سواء من خلال الجاليات المسلمة أو عبر الاهتمام الرسمي والدبلوماسي.

زر الذهاب إلى الأعلى