طولكرم: المدينة الفلسطينية تحت الحصار بين التاريخ والواقع

تقع مدينة طولكرم في شمال الضفة الغربية، وهي واحدة من المدن الفلسطينية التي تحمل في طياتها تاريخًا عريقًا، حيث تمتزج الحضارة العريقة مع الحاضر المليء بالتحديات. تعد المدينة بوابة فلسطين الغربية بسبب موقعها الاستراتيجي على السفوح الشرقية لسهل مرج بن عامر، حيث تبعد نحو 15 كم عن البحر الأبيض المتوسط، ما جعلها نقطة ربط مهمة عبر العصور.
طولكرم عبر التاريخ: من الأصول الكنعانية إلى الاحتلال الإسرائيلي
تعود أصول مدينة طولكرم إلى الحقبة الكنعانية، حيث كانت تُعرف باسم “طور كريم”، أي الجبل الخصب، ما يدل على طبيعتها الزراعية المميزة. خلال العهد الإسلامي، شهدت المدينة ازدهارًا كبيرًا، واستمرت في التطور خلال الحكم العثماني، حيث أصبحت مركزًا إداريًا وتجارياً مهماً.
بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917، ظلت طولكرم في صلب الأحداث السياسية حتى نكبة 1948، عندما أصبحت قريبة من خط الهدنة، ثم خضعت للحكم الأردني حتى الاحتلال الإسرائيلي عام 1967. ومنذ ذلك الحين، تعاني المدينة من الحصار والقيود الإسرائيلية التي أثرت بشكل كبير على اقتصادها ونموها العمراني والاجتماعي.
الأهمية الديموغرافية لطولكرم
تتميز طولكرم بتعداد سكاني كبير مقارنة بمساحتها الصغيرة نسبيًا، حيث يقدر عدد سكانها بأكثر من 60 ألف نسمة داخل المدينة، بالإضافة إلى آلاف السكان في القرى والمخيمات المحيطة بها، مثل مخيم طولكرم للاجئين. يعد المخيم شاهدًا حيًا على النكبة الفلسطينية، حيث يضم لاجئين هُجِّروا قسرًا من أراضيهم عام 1948.
على الرغم من الاحتلال، تظل طولكرم مدينة شابة بفضل النسبة العالية من فئة الشباب، الذين يشكلون مصدرًا أساسيًا للحراك الاجتماعي والثقافي فيها.
المعالم السياحية والأهمية العلمية
رغم الحصار الإسرائيلي، ما زالت طولكرم تحتفظ ببعض معالمها التاريخية التي تروي قصص الحضارات التي مرت بها، مثل المسجد القديم الذي يعود للعهد المملوكي، والبلدة القديمة ذات الأزقة الضيقة التي تحكي تاريخ المدينة.
كما أن طولكرم تُعد مركزًا علميًا مهمًا، حيث تضم جامعة فلسطين التقنية – خضوري، وهي إحدى الجامعات العريقة التي تأسست منذ العهد البريطاني، إلى جانب العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية التي ترفد فلسطين بالكفاءات العلمية.
طولكرم بين الماضي والحاضر: مقارنة بين واقعين
في الماضي، كانت طولكرم مركزًا اقتصاديًا حيويًا، تعتمد على الزراعة والتجارة بفضل موقعها القريب من الساحل الفلسطيني، وكان مزارعوها يصدرون منتجاتهم بسهولة إلى الداخل والخارج. أما اليوم، فالمدينة تعيش واقعًا مختلفًا، حيث يعاني المزارعون من مصادرة الأراضي وإغلاق الأسواق بسبب الجدار الفاصل والمستوطنات، مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي.
أما من الناحية الاجتماعية، فبينما كانت طولكرم تشهد تفاعلًا ثقافيًا نشطًا في العقود السابقة، إلا أن الحصار جعل الحياة اليومية صعبة، مع تزايد البطالة وهجرة بعض الشباب بحثًا عن فرص أفضل.
طولكرم بين الصمود والتحدي
رغم الاحتلال والحصار، تظل طولكرم مثالًا حيًا على صمود الفلسطينيين، حيث يواجه سكانها التحديات اليومية بإرادة قوية للحفاظ على هويتهم الوطنية والثقافية. وبينما تحاول القيود الإسرائيلية خنق الحياة في المدينة، يبقى أهلها متمسكين بحقوقهم، مؤمنين بأن الاحتلال إلى زوال، وأن طولكرم ستعود إلى سابق عهدها مركزًا للحياة والنمو.