اقتصاد

تركيا والصين تجددان اتفاق تبادل العملات وتطلقان آلية مقاصة باليوان لتعزيز التبادل التجاري بالعملات المحلية

أعلن بنك الشعب الصيني والبنك المركزي التركي تجديد اتفاقية تبادل العملات الثنائية بين البلدين، بقيمة 35 مليار يوان صيني (نحو 4.88 مليارات دولار)، أي ما يعادل قرابة 189 مليار ليرة تركية. وتمتد الاتفاقية الجديدة لثلاث سنوات قابلة للتجديد، ضمن جهود مشتركة لتوسيع استخدام العملات المحلية في المبادلات التجارية، والحد من الاعتماد على الدولار الأميركي.

وفي خطوة موازية، وقع الجانبان مذكرة تفاهم لإطلاق آلية مقاصة باليوان داخل تركيا، تتيح تسوية المعاملات التجارية مباشرة بالعملة الصينية، وهو ما يمهّد الطريق لتعزيز الاستثمارات والتبادل التجاري الثنائي باليوان والليرة، وتقليص دور العملات الصعبة.

نقلة في التبادل التجاري

بموجب آلية المقاصة الجديدة، سيتمكن المستوردون الأتراك من تسديد وارداتهم من الصين باليوان داخل تركيا، فيما يستطيع المصدرون الصينيون تحصيل مدفوعاتهم مباشرة بالعملة الصينية دون الحاجة إلى التحويل إلى الدولار. ويمثل هذا التحول خطوة لافتة ضمن توجه أوسع لإعادة هيكلة التبادلات التجارية بعيداً عن العملة الأميركية.

تحالف نقدي متصاعد

ويأتي هذا الاتفاق في سياق سياسة تركية تهدف إلى تعزيز مكانة الليرة وتقليل تبعيتها للدولار في المعاملات الخارجية، حيث أشار البنك المركزي التركي إلى أن الاتفاق يسعى إلى توسيع استخدام الليرة واليوان، وتوفير أدوات دعم إضافية للاستقرار المالي، خاصة في ظل تقلبات الأسواق العالمية والضغوط على العملات الناشئة.

على الجانب الآخر، يُنظر إلى الاتفاق باعتباره جزءاً من إستراتيجية الصين العالمية لتدويل عملتها، عبر توسيع استخدام اليوان في التسويات التجارية، لا سيما مع الدول النامية، وتحديداً تركيا التي تعد شريكاً محورياً ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.

تاريخ من التعاون المالي

وترجع أول اتفاقية مبادلة عملات بين البلدين إلى فبراير/شباط 2012، حين تم توقيع اتفاق تبادل بقيمة 10 مليارات يوان مقابل 3 مليارات ليرة. وفي 2015، تم تمديد الاتفاق ورفع قيمته إلى 12 مليار يوان، ثم جُدد مرة أخرى في 2019 ليصل إلى 35 مليار يوان، في ظل أزمة السيولة التي كانت تواجه الاقتصاد التركي حينها.

وفي يونيو/حزيران 2020، دخل الاتفاق حيّز التنفيذ العملي، حين بدأ المركزي التركي لأول مرة سداد واردات من الصين مباشرة باليوان. وفي العام التالي، أُدرجت القيمة الكاملة للاتفاق ضمن احتياطيات البنك المركزي التركي، بعد تفاهمات سياسية واقتصادية رفيعة المستوى بين أنقرة وبكين.

تنويع الشركاء النقديين

على مدى السنوات الماضية، فعّلت تركيا سياسة تنويع خطوط المقايضة النقدية مع عدة شركاء، لتعزيز احتياطاتها من العملات الأجنبية وحماية الليرة. ففي أغسطس/آب 2018، وقّعت اتفاقاً مع قطر بقيمة 5 مليارات دولار، تم رفعه لاحقاً إلى 15 مليار دولار. كما وقّعت اتفاقاً مع كوريا الجنوبية عام 2021 بقيمة تريليوني وون، جُدد في 2024 ليصل إلى 2.3 تريليون وون. وفي 2022، أبرمت اتفاق مبادلة مع الإمارات بقيمة 4.9 مليارات دولار. كما أجرت محادثات مماثلة مع اليابان وبريطانيا، دون أن تفضي إلى اتفاقات نهائية.

فوائد فورية وتحديات هيكلية

يرى الخبير الاقتصادي محمد أبو عليان أن تجديد الاتفاق مع الصين يوفّر مكاسب مالية آنية لتركيا، أبرزها تعزيز احتياطي النقد الأجنبي وتيسير واردات السلع الصينية دون الحاجة للتحويل عبر الدولار، مما يقلص من مخاطر تقلبات أسعار الصرف.

إلا أنه حذر من محدودية هذه المكاسب على المدى البعيد ما لم تترافق مع إصلاحات هيكلية في الاقتصاد التركي. وأشار إلى أن هذه التسهيلات تندرج ضمن أدوات السيولة قصيرة الأجل، وتُعامل كديون يتوجب سدادها بفوائد، مما قد يشكل عبئاً إضافياً على المالية العامة.

وأضاف أن العجز المزمن في الميزان التجاري بين البلدين، حيث تستورد تركيا بنحو 39 مليار دولار مقابل صادرات لا تتجاوز 4.3 مليارات دولار، يجعل استخدام اليوان أكثر فائدة لأنقرة مقارنة ببكين، التي لا تجد استخداماً واسعاً لليرة في المقابل.

تحوّل رمزي في التموضع المالي

بدورها، اعتبرت الباحثة الاقتصادية نيل كهرمان أن الاتفاق يمثل خطوة رمزية في مسار تركيا نحو تنويع أدواتها النقدية، لكنه لا يعني تحولاً جذرياً في البنية المالية التي لا تزال تعتمد بشكل شبه كامل على الدولار واليورو.

وأوضحت أن إنشاء مركز مقاصة باليوان في تركيا قد يمنح أنقرة مزيداً من المرونة في التسويات التجارية مع دول أخرى تسعى لاستخدام العملة الصينية. لكنها شددت على أن نجاح التجربة مرهون بإقبال القطاع الخاص التركي، واستقرار سعر صرف الليرة، والدعم المستمر من بكين لتوسيع هذه المنظومة.

نحو نظام نقدي متعدد الأقطاب؟

وفي ظل تحولات النظام المالي العالمي، تُظهر هذه الاتفاقات المتزايدة بين تركيا وشركائها توجهاً متصاعداً نحو فك الارتباط الجزئي بالدولار، والتحول إلى نظام نقدي متعدد الأقطاب تستخدم فيه عملات محلية بديلة. ورغم أن هذا المسار لا يزال في بدايته، إلا أن مثل هذه الخطوات تفتح المجال أمام تغييرات أوسع في بنية التبادلات النقدية الدولية مستقبلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى