من الشرع إلى الشرع.. هل يزهر خريف التطبيع السوري مع إسرائيل؟

رامي الأمين
مع أن الخريف غالبًا ما يرمز إلى الحزن والنهايات، إلا أن وجوه الرجال الثلاثة الذين ظهروا في صور الثالث من يناير عام 2000، حملت ابتسامات خفيفة، توحي بالأمل. كان المشهد يجمع وزير الخارجية السوري آنذاك، فاروق الشرع، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون، على جسر معدني في إحدى غابات ولاية ويست فرجينيا، حيث تتساقط أوراق الشجر معلنة نهاية موسم وولادة احتمالات جديدة.
كان كلينتون يحاول عبور الطرفين من ضفة الصراع إلى ضفة السلام، في مسعى لإغلاق جرح الحرب المستمر لعقود، باتفاق عادل وشامل.
ورغم أن تلك اللحظة بدت كآخر ورقة متبقية في شجرة مفاوضات التسعينيات الطويلة والمتعثرة، إلا أن الرياح كانت أقوى.

سقطت الورقة، معلنة نهاية آخر محاولة علنية للتقارب السوري الإسرائيلي.
رحل حافظ الأسد في يونيو 2000، وورث بشار الأسد الحكم، ليتلاشى تدريجيًا حلم التسوية، وسط إخفاقات كل المبادرات الأميركية والتركية التي تلت ذلك، حتى اندلاع الربيع العربي في 2011 الذي هز أركان نظام بشار الأسد.
واليوم، بعد الإطاحة ببشار في ديسمبر 2024، يبدو أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء، لكن مع لاعب جديد: أحمد الشرع، الرئيس السوري المتحدر من هضبة الجولان.
رغم صرامة صورته الظاهرة، يتحرك الشرع بخطى سريعة نحو تسوية قد تلتحق باتفاقيات أبراهام التي وقعتها إسرائيل مع عدد من الدول الخليجية برعاية أميركية.
في موقف لافت، كشف النائب الجمهوري الأميركي مارلين ستوتزمان أن الشرع أعرب صراحةً عن استعداده لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة ضمان وحدة وسيادة سوريا. وأضاف ستوتزمان في تصريح لصحيفة “جيروزاليم بوست” أن الشرع منفتح على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، لكنه شدد على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية ومعالجة التوغلات قرب الجولان.
المفاجأة كانت أن الشارع السوري لم يُصدم من هذه التصريحات، بل رحب بها الكثيرون، وفق ما ينقله المحلل السياسي مصطفى المقداد، الذي قال إن الشرع منذ تسلمه السلطة أرسل إشارات واضحة برغبته في تحسين علاقات سوريا مع جميع جيرانها، ولو تطلّب ذلك تقديم تنازلات لضمان استقرار البلاد.
مراسل “الحرة” في دمشق، حنا هوشان، نقل أن غالبية السوريين يتطلعون إلى السلام بعد سنوات من الحروب، ولا يمانعون إعادة المفاوضات تحت قيادة الشرع.
ويرى المقداد أن توقيت تصريحات الشرع مهم، إذ تأتي بالتزامن مع رفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا مجددًا في الأمم المتحدة. لكنه حذر من أن العقبة قد لا تكون في دمشق هذه المرة، بل في الطرف الإسرائيلي الذي لم يُبد بعد تجاوباً حقيقياً مع هذه الإشارات.
وفي جلسة مجلس الأمن الأخيرة، شدد الشيباني على أن سوريا “لن تكون تهديداً لأي دولة في المنطقة، بما فيها إسرائيل”، في تأكيد رسمي على التوجه نحو التهدئة والانفتاح.
ورغم التفاؤل، يبقى الترقب سيد الموقف خصوصًا بين دروز الجولان، المنقسمين بين مؤيد للتطبيع تحت مظلة الشرع الجديد، ورافض يخشى الانفصال أو الذوبان في تحولات سياسية عاصفة.
هكذا، وبين فاروق الشرع عام 2000، وأحمد الشرع عام 2025، يتجدد الحديث عن مفاوضات طال انتظارها. فهل يكون ربيع هذا العام، هو الموعد المنتظر لإزهار سلام سقطت ورقته منذ ربع قرن؟