اقتصاد

تركيا وتعزيز القوة الاقتصادية للتراث الغذائي: خطة حكومية لرفع عدد المنتجات المحمية في أوروبا

تواصل تركيا مساعيها لتوسيع حضور منتجاتها الغذائية التقليدية داخل الأسواق الأوروبية، ضمن خطة حكومية طموحة تهدف إلى رفع عدد المنتجات المسجَّلة كمؤشرات جغرافية في الاتحاد الأوروبي من 40 إلى 60 منتجًا بحلول عام 2026. وتأتي هذه الخطوة في إطار البرنامج الرئاسي السنوي الجديد، الذي يضع حماية الملكية الفكرية وتعزيز القيمة المضافة للمنتجات الإقليمية في صلب إستراتيجية تركيا الاقتصادية.

وقد نجحت أنقرة مؤخرًا في تسجيل “بقلاوة غازي عنتاب” و”فطيرة كايتاز من هاتاي” ضمن قائمة المؤشرات الجغرافية الأوروبية، ليصل العدد الإجمالي للمنتجات التركية المحمية إلى 40، مع توقعات ببلوغه 45 مع نهاية العام الجاري، تمهيدًا لتحقيق الهدف الكامل خلال العام المقبل.

حماية التراث وتعزيز الهوية التجارية

تعمل الحكومة التركية، من خلال البرنامج الرئاسي السنوي، على إطلاق خطة شاملة تهدف إلى تعزيز بيئة الحماية القانونية للملكية الفكرية، مع اعتماد المؤشرات الجغرافية كأداة أساسية لصون التراث الغذائي التقليدي، وتوسيع حضور العلامة التركية عالميًا.

وتشمل الخطة وضع خارطة طريق وطنية لتعزيز إنفاذ حقوق الملكية الفكرية على المستويين المحلي والدولي، إضافة إلى توفير دعم فني للمؤسسات والمُنتجين الراغبين في تسجيل منتجاتهم ضمن نظام المؤشرات الجغرافية الأوروبي. كما تتضمن اختيار مجموعة من المنتجات ذات الإمكانات العالية لخضوعها لبرامج تدريبية متقدمة في بناء العلامة التجارية ووضع إستراتيجيات تسويق مبتكرة.

وفي هذا السياق، تعمل الحكومة أيضًا على إصدار تقرير سنوي يقيس الأثر الاقتصادي للصناعات الإبداعية وحقوق النشر، بهدف تقدير إسهاماتها في الاقتصاد الوطني. كما يحصل أصحاب العلامات التجارية على دعم تقني في تقييم أصولهم غير الملموسة وتوظيفها لتعزيز القوة السوقية لمنتجاتهم.

دعم الإنتاج المحلي وتطوير البنية التقنية

وفي إطار جهودها لتحديد المنتجات التركية الأكثر قدرة على النجاح داخل الأسواق الأوروبية، تجمع الحكومة بيانات اقتصادية دقيقة حول إمكانات التصدير، إلى جانب إطلاق حملات توعية واسعة حول براءات الاختراع والمعايير الصناعية.

كما تستعد أنقرة لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لتسريع إجراءات تسجيل المؤشرات الجغرافية والبراءات، من خلال تطوير بنية تقنية متقدمة تساعد في تقليص الزمن اللازم للحصول على الاعتراف القانوني، وتسهيل الإجراءات المعقدة التي كانت تمثّل عقبة في السابق.

وتتضمن الخطة أيضًا برامج لرفع الوعي بوسائل الوساطة والتحكيم التجاري كآليات فعّالة لحل النزاعات المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية، بما يعكس حرص تركيا على حماية منتجاتها التقليدية في ظل المنافسة العالمية المتصاعدة.

ما هو المؤشر الجغرافي؟

المؤشر الجغرافي هو تصنيف قانوني يُمنح للمنتجات التي ترتبط سمعتها أو جودتها بموقع جغرافي محدد، ويشكّل وسيلة فعّالة لحماية الهوية التقليدية للمنتجات وضمان أصالتها. ويعود ذلك بالنفع على المنتجين المحليين عبر تعزيز موثوقية منتجاتهم وتوسيع فرصها التسويقية، إضافة إلى حماية التراث الحرفي وإبقاء طرق الإنتاج التقليدية قائمة.

وقد برزت عدة منتجات تركية خلال السنوات الأخيرة كأمثلة ناجحة على هذه الاستفادة، من بينها:

  • بقلاوة غازي عنتاب
  • تين أيدين المجفف
  • مشمش ملاطيا
  • زيت زيتون ميلاس
  • كنافة أنطاكية

فوائد اقتصادية متصاعدة

يرى المحلل الاقتصادي عمر أكوتش أن توسّع تركيا في تسجيل مؤشرات جغرافية داخل الاتحاد الأوروبي يمثّل خطوة تتجاوز البعد الثقافي، ليصبح أداة استراتيجية لرفع العائدات التصديرية وزيادة تنافسية المنتجات التركية داخل أوروبا.

وأوضح أكوتش أن التجارب الأوروبية أثبتت أن المنتجات الحاصلة على حماية جغرافية تحقق عادة أسعارًا أعلى بنسبة تتراوح بين 20 و50%، نظرًا لثقة المستهلكين في جودتها وأصالتها. كما تمنح هذه الحماية للمنتجات التركية فرصة أكبر للوجود في سلاسل البيع المرموقة داخل أوروبا، مع الحد من عمليات التقليد التي تهدد السمعة التجارية.

وأشار إلى أن المؤشرات الجغرافية تسهم كذلك في تعزيز التنمية الريفية، عبر زيادة دخول المزارعين والحرفيين، وتحفيزهم على الحفاظ على أساليب الإنتاج التقليدية ورفع الجودة بما يخدم الاقتصاد المحلي.

واختتم أكوتش بالإشارة إلى أن تركيا تمتلك الأساس المؤسسي اللازم للاستفادة من هذا التوجه، لكنها بحاجة إلى آليات رقابية وتسويقية أكثر تطورًا لضمان تحقيق الاستفادة القصوى من نظام الحماية الأوروبي.

زر الذهاب إلى الأعلى