الهجوم على غزة يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع في إسرائيل


منذ اليوم الأول للعدوان على قطاع غزة وإعلان حكومة الاحتلال حالة الحرب، بدأ الاقتصاد الإسرائيلي يتعرض لتأثيرات سلبية وملموسة. توقفت الوزارات والمؤسسات الحكومية عن تقديم خدماتها في الجوانب المدنية، وأغلقت المدارس، وحتى في بعض المناطق تحول التعليم إلى نظام التعلم عن بعد. كما تم تأجيل افتتاح السنة الدراسية في الجامعات لأكثر من شهر قابل للتجديد.
لقد شهدت بورصة “تل أبيب” انخفاضًا تدريجيًا في أسهمها منذ بداية العدوان. وارتفع سعر الدولار مقابل الشيكل، وذلك نتيجة لتوقف كافة الشركات والمصانع والورشات في جنوب إسرائيل، بالإضافة إلى انخفاض معدل استيراد البضائع والمواد الخام من الخارج. ميناء حيفا، الذي يعتبر الميناء التجاري الرئيسي في البلاد، يقع على مقربة من الحدود الشمالية مع لبنان، وهو ما زاد من التوتر في هذه المنطقة.
أظهر صندوق التعويضات في إسرائيل أن إجمالي الخسائر التي لحقت بالممتلكات خلال الأسبوع الأول من بداية العدوان تقدر بنحو 373 مليون دولار. هذا المبلغ يقارن بخسائر تل أبيب خلال الحرب التي شنتها على لبنان في عام 2006. هذا الوضع يثير تساؤلات حول كيفية تأثير الاقتصاد الإسرائيلي في حالة تصاعد التوتر واشتعال جبهات أخرى بخلاف قطاع غزة.
ارتفاع الأسعار
التأثيرات السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي تنعكس مباشرةً على الأسعار الداخلية، وتحديداً على السلع الأساسية والمواد الغذائية التي شهدت زيادات ملحوظة منذ بداية العدوان.
ففي هذا السياق، أشار محمود طاهر، صاحب محل للبقالة في مدينة أم الفحم، إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في مجموعة من المنتجات في مجال عمله. وأشار إلى أن هذا الارتفاع يعود إلى توقف الاستيراد بسبب الحرب الجارية. على سبيل المثال، تضاعف سعر طن العلف من 1500 شيكل قبل الحرب إلى ما بين 2700 و2800 شيكل اليوم، وزاد سعر كيلو لحم العجل من 17 شيكل قبل الحرب إلى 25 شيكل اليوم.
وأوضح طاهر أن إعلان حالة الحرب والتحذيرات الأمنية دفعت المواطنين إلى التوافد بشكل عشوائي لشراء كميات كبيرة من المواد التموينية، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الأساسية مثل الطحين والسكر.
جنود الاحتياط
يُعزى هذا الارتفاع الحاد في الأسعار إلى عدة أسباب أخرى، من بينها استدعاء نحو 360 ألف من احتياط جيش الاحتلال، مما أدى إلى تسخير كافة جهود المؤسسات والشركات الكبرى في إسرائيل لتأمين المواد الغذائية لجنود الاحتياط كأولوية على الجميع.
وأشار الشاب أيهم إغبارية، أثناء تسوقه في مدينة أم الفحم، إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق ونفاد المواد التموينية من المحلات التجارية. وأشار إلى أنه واجه صعوبة في العثور على مواد أساسية مثل الطحين، وكانت الأسعار مرتفعة بنسب تفوق 50%.
التزم إغبارية بإضافة مجموعة من الأسباب للارتفاع الحاد في الأسعار، بما في ذلك إرسال كميات كبيرة من المواد التموينية للقوات الجيش على الجبهات.
أشار استطلاع أجراه معهد أبحاث “البيع بالتجزئة” إلى ارتفاع الأسعار في مختلف الشبكات التجارية، حيث زادت شبكة “يوهانوف” السعر بنسبة 10.25%، وتلتها شبكة “رامي ليفي” بزيادة بنسبة 9.72%، وشبكة “كارفور” بارتفاع 7.49% في المتوسط. وشهدت شبكة “شوفرسال” ارتفاعا بنسبة 6.48%.
وشملت الزيادة في الأسعار مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك منتجات التنظيف والغسيل، والقهوة، والمنتجات الغذائية بأنواعها، والحفاضات، والمشروبات الغازية والكحولية، بالإضافة إلى الخضروات المجمدة، والملح، والسكر البني، والأرز، وعدد من المنتجات الأساسية. وأوضحت الاقتصادية شيرا سبير أن حجم المعاملات في تجارة الجملة وصناعة المواد الغذائية ارتفع بنسبة 44%، بسبب التبرعات والمساعدات المقدمة لسكان الجنوب ولجنود الجيش الإسرائيلي. ورجّح مسؤول كبير في وزارة المالية الإسرائيلية أن تضطر إسرائيل لإنفاق مبالغ كبيرة لتمويل الحرب ضد المقاومة الفلسطينية، وأشار إلى أن التكلفة قد تقترب من 50 مليار دولار. وتوقع البنك المركزي الإسرائيلي أن يبلغ عجز الموازنة في 2023 نسبة 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي و3.5% في 2024، بشرط أن يبقى الصراع مقتصرًا على قطاع غزة دون توسيعه إلى جبهات أخرى، والتي ستزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي.
غياب الأيدي العاملة
بجانب الأسباب المشار إليها سابقًا لارتفاع الأسعار، تواجه السوق الإسرائيلي نقصًا كبيرًا في الأيدي العاملة في مصانع المواد الغذائية وقطاع الزراعة. يُشار إلى أن معظم العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لا يذهبون للعمل خلال فترة الحرب نظرًا للوضع الأمني السيء في الجنوب والمركز، وبالمناطق القريبة من الحدود اللبنانية. هذا بالإضافة إلى تزايد التمييز والاعتداءات التي تتعرض لها العمال الفلسطينيين في البلاد وإعلان بعض البلديات منع دخول العمال العرب للعمل في مناطق نفوذها، مثل بلدية “روش هعاين” في وسط إسرائيل.
وقد تم منع العمل داخل إسرائيل خلال فترة العدوان لنحو 130 ألف عامل من الضفة الغربية، ومعظمهم يعملون في مجالي الزراعة والبناء. وهذا دفع وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات إلى مساعي لتمرير قرار حكومي يهدف إلى جلب 160 ألف عامل أجنبي، خصوصًا من الهند، لتعويض العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية.
أشار أحمد محاميد، أحد المتسوقين، إلى أن ارتفاع الأسعار تأثر بجميع المواد التموينية، بما في ذلك الدقيق والأرز والزيت والخضار والفواكه واللحوم والدواجن. وأكد أن الزيادة وصلت إلى حوالي 60%-70%. كما عبّر عن قلقه من كيفية تحمّل هذه الزيادات بالنظر إلى أن معاشه الشهري يكاد يكفي لتلبية الاحتياجات قبل هذا الارتفاع، وأن الأمور تصبح صعبة بالنسبة لمن فقد وظيفته سواء بسبب الوضع الأمني أو بسبب التصاعد الكبير للعنصرية.