المواطن الموريتاني يتطلع للاستفادة من مشروع الغازفي وقت قياسي

قبل كل شيء، يظلّ مشروع الغاز مرهونًا برهانٍ مركزيّ يتمثل في الاستقرار السياسي وثبات الخيارات الاستراتيجية للحكومة تجاه مستقبل هذا المورد الحيوي، بما يضمن استمرارية مسار الاستغلال وتحويله إلى فاعل اقتصادي رئيسي قادر على المنافسة، وعلى إحداث قطيعة تدريجية مع التبعية لشركاء الخارج، أو على الأقل تخفيف وطأة المشروطية المالية والاستثمارية التي أثقلت كاهل البلاد وقوّضت آمال المواطنين.
فالمواطن، وهو يرقب المشهد عن كثب، لا يفوته أن يرى انعكاسات إيجابية لاستغلال المشروع ذاته وفي إطار الشراكات نفسها، على الضفة الأخرى من النهر؛ ما يعمّق الإحساس بالفجوة، ويضاعف منسوب التساؤل حول جدوى السياسات المتّبعة داخليًا.
ورغم أن العائد الحقيقي والفاصل للغاز قد يتأخر في إعادة تصنيف الاقتصاد الوطني وتحسين مؤشرات التنمية، فإن هذا التأخر لا يبرّر التراخي لحظة واحدة في الاستجابة لمطالب الشعب، ولا في التمهيد الجاد لمرحلة الاستغلال والتصدير. ويقتضي ذلك، على وجه الخصوص، تحسين مناخ الاستثمار بما ييسّر عمل المقاولات الوطنية ويحرّك عجلة الاقتصاد الاجتماعي، إلى جانب تعزيز استقلالية القضاء بوصفه الضامن الأساس لأي تحول حقيقي يعود على المواطنين بـ«الرفاه المشترك».
لقد سئم الناس الريع الأحادي، ولفظوا الثراء الفاحش الذي راكمته قلةٌ عبر عقود، على حساب كدّ الأغلبية التي أُنهكت بوعود الإصلاح والتعمير والتنمية. ولا يمكن التعويل على الغاز، ولا الرهان عليه كقاطرة للإقلاع الاقتصادي، ما دام الفساد مستشريًا بلا مساءلة، ولا يُعرف مفسدٌ بعينه يُحاسَب.
فلا رفاه ولا إقلاع والفساد قائم بين ظهرانينا، متخفّيًا في لباس «اتّفكريش»؛ يُمارَس أحيانًا بوعيٍ مغشوش لدى الكهل المغرَّر به، أو باندفاعٍ مقلق لدى الشاب الحدث، في سباقٍ محموم نحو اقتناء العقارات بأسعار صورية، أقرب إلى غسيل الأموال وتبييضها منها إلى استثمارٍ منتج، في محاولةٍ لنفي شبهة السطو على المال العام.
إن مستقبل الغاز، باختصار، ليس مسألة تقنية أو زمنية فحسب، بل هو اختبارٌ شامل لصلابة الدولة، ونزاهة الحوكمة، وقدرتها على تحويل الثروة الطبيعية إلى عدالة اقتصادية يشعر بها المواطن في معيشه اليومي.









