رأي آخر

هل يمكن القول أن الدول العربية نالت بالفعل استقلالها كاملا؟

تُحيي الدول العربية في كل عام ذكرى استقلالها، وهي مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال الرمزي وتمجيد تضحيات الحركة الوطنية ووقوفها في وجه المستعمر.

فهي أيضًا محطة للتأمل في المستقبل، عبر تقييم حصيلة ما تحقق خلال عقود طويلة من الاستقلال.

وقد هيمنت خلال سبعينيات القرن الماضي أطروحاتٌ ترى أن ما نالته الدول العربية لم يتجاوز حدود الاستقلال السياسي؛ وأن ما تحقق ظل منقوصًا ما دام التحرر الاقتصادي غائبًا، إذ لا يُمكن الحديث عن استقلال مكتمل دون سيادة اقتصادية. ومع توالي السنين كشف الواقع أن الاستقلال السياسي ذاته لم يُنجز بالكامل، فالتبعية لمراكز القرار السياسي والاقتصادي والمالي العالمية تُثبت أن العلاقة بين المستعمر السابق والدول المستقلة حديثًا ما تزال – في جوهرها – علاقة هيمنة مستمرة. بل إن العديد من السياسات التي تعتمدها تلك الدول تخضع، بلا مواربة، لإملاءات خارجية تحدد توجهاتها في مختلف القطاعات الحيوية.

وقد لخّصت العبارة التي شاع استخدامها عقب الاستقلال: “خرج المستعمر من الباب فعاد من النافذة” طبيعة العلاقات التي استمرت في أشكال متجددة بين المستعمر والمستعمَر. ومع بروز العولمة واتساع آفاق التبادل بين الدول، تعمقت هذه الروابط بطريقة لم تُنتج في النهاية سوى واقعٍ يرسخ استفادة القوى التي تملك المعرفة والقدرة، وتفرضهما على غيرها مستخدمةً مفاهيم لا علاقة لها بالقوة الصلبة التقليدية، بل أدوات أكثر نعومة واتساعًا.

وهكذا أصبح الحديث عمّا يُسمّى “ما بعد الاستعمار” وسيلة للالتفاف على حقيقة وجود “استعمار جديد” لا يختلف في جوهره عن الاستعمار القديم؛ فسياسات الإقراض، والحروب بالوكالة، واحتكار المعرفة، وإذكاء الهويات الضيقة، ليست إلا مظاهر من منظومة هيمنة معاصرة. ورغم كل ما يُقال عن العولمة، والعالم المترابط، وكونه قرية صغيرة، والديمقراطية العابرة للحدود، فإن الواقع يؤكد أن موازين القوة لا تزال تُدار بعقلية استعمارية أكثر نعومة… ولكنها أشد تأثيرًا.

رئيس التحرير

زر الذهاب إلى الأعلى