قفزة تاريخية في الصادرات الأردنية إلى سوريا تعيد تشكيل المشهد التجاري بين البلدين

شهدت العلاقات التجارية بين الأردن وسوريا تحوّلًا لافتًا خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، بعدما سجلت الصادرات الأردنية إلى السوق السورية ارتفاعًا غير مسبوق تجاوز 400%، وفق بيانات رسمية، في دلالة واضحة على عودة النشاط التجاري بين الجانبين بعد سنوات من التراجع بسبب الأزمات الإقليمية والتحديات الاقتصادية والظروف اللوجستية.
وبحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، بلغت قيمة الصادرات الأردنية إلى سوريا خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى أغسطس/آب 2025 نحو 152 مليون دينار (214.4 مليون دولار)، مقارنة بـ31 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، محققة نموًا يزيد على 390%. كما ارتفعت الواردات الأردنية من سوريا إلى 68 مليون دينار مقارنة بـ34 مليونًا، بنسبة نمو وصلت إلى 100%.
تنوع الصادرات ودوره في دعم السوق السورية
يعكس هذا النشاط التجاري المتنامي قدرة الصناعة الأردنية على تلبية احتياجات السوق السورية المتنوعة، خاصة مع إعادة فتح المعابر الحدودية وفي مقدمتها معبر جابر–نصيب. وتتوزع الصادرات الأردنية على قطاعات حيوية تشمل:
- الصناعات الإنشائية ومواد البناء مثل الأسمنت والحديد والرخام والبلاط والدهانات والأنابيب والخشب.
- المعدات الكهربائية بما في ذلك الكابلات والمحولات والأجهزة الكهربائية.
- المنتجات الغذائية والزراعية من ألبان وزيوت نباتية ومعلبات وخضراوات وفواكه طازجة ومصنعة.
- المنتجات الكيميائية مثل الأسمدة والمبيدات والمنظفات الصناعية.
هذا التنوع يعكس الدور المهم للأردن في دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا وتوفير احتياجاتها الأساسية.
الصناعة الأردنية محرك للنمو الاقتصادي
أكد رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير أن الأداء القوي للصناعة المحلية كان عاملًا رئيسيًا في تعزيز الصادرات، مشيرًا إلى أن القطاع الصناعي سجل نموًا حقيقيًا بنحو 6.6% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من 2024.
وأوضح الجغبير أن القطاع الصناعي يوفر أكثر من 268 ألف فرصة عمل مباشرة، ويشكل ركيزة أساسية لدعم الميزان التجاري للمملكة، لافتًا إلى أن التقدم في العلاقات الاقتصادية بين عمّان ودمشق يعكس توجهًا واضحًا نحو تكامل اقتصادي يخدم مصالح البلدين.
إجراءات مشتركة تنشط حركة التجارة
شهدت الفترة الأخيرة خطوات إيجابية لتعزيز حركة النقل والتجارة بين الأردن وسوريا، أبرزها الإعفاء المتبادل للشاحنات من الرسوم الجمركية، مما رفع عدد الشاحنات الأردنية المتجهة يوميًا إلى سوريا إلى حوالي 400 شاحنة محملة بمواد غذائية وبضائع استهلاكية ومواد بناء.
كما تعمل لجان مشتركة على تطوير التعاون الاقتصادي، وتعزيز انسيابية تدفق السلع، بما يسهم في استمرار النمو التجاري وتخفيف الأعباء على القطاع الخاص.
وتعد سوريا سوقًا ذات أهمية إستراتيجية للأردن، ليس فقط لقربها الجغرافي، وإنما لدورها في دعم الصناعات الأردنية وتعزيز تنويع الصادرات، إضافة إلى أنها بوابة تجارية نحو أسواق أخرى.
رؤية اقتصادية مستقبلية وفرص واعدة
يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين يمثل ضرورة اقتصادية، مؤكدًا إمكانية تطوير بنودها بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية ويحفز القطاع الخاص على تعميق الشراكات التجارية.
وأشار إلى أن زيارة الرئيس السوري لعمان تحمل رسائل إيجابية حول مستقبل التعاون الاقتصادي، وأن الأردن كان من أوائل الداعمين لسوريا في تلبية احتياجاتها من السلع خلال السنوات الماضية.
تحديات مستمرة رغم النمو
ورغم القفزة الكبيرة في الصادرات، لا تزال هناك تحديات تواجه حركة التجارة بين البلدين، منها:
- تعقيدات النقل والبنية التحتية المتضررة داخل سوريا.
- الإجراءات الجمركية غير الموحدة وما ينتج عنها من تأخير وتكاليف إضافية.
- التقلبات الأمنية والسياسية التي تزيد من المخاطر التجارية.
- محدودية القدرة الإنتاجية لبعض الصناعات الأردنية في مواجهة الطلب المتزايد وتقلب أسعار المواد الأولية.
آفاق متنامية لتعزيز التكامل الاقتصادي
تشير المؤشرات الحالية إلى قدرة الاقتصاد الأردني على التكيف مع التغيرات الإقليمية، وإلى أهمية تطوير البنية التحتية وتحسين الإجراءات الجمركية وتوسيع الطاقة الإنتاجية للصناعات المحلية من أجل الحفاظ على الزخم التجاري المتنامي.
ومع استمرار جهود التعاون بين الأردن وسوريا وتفعيل الاتفاقيات المشتركة، تبدو الفرصة سانحة لتعزيز التبادل التجاري، وزيادة قدرة الشركات الأردنية على النفاذ إلى السوق السورية، ودعم مسار النمو الاقتصادي في البلدين.









