اقتصاد

السنغال في مواجهة مفتوحة مع صندوق النقد الدولي.. أزمة دين وسيادة وطنية على المحك

تتصاعد حدة التوتر بين السنغال وصندوق النقد الدولي في ظل أزمة مالية خانقة تهدد قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، بعدما اشترط الصندوق تنفيذ عملية إعادة هيكلة واسعة للديون قبل الإفراج عن حزمة إنقاذ ضرورية لسد فجوة كبيرة في المالية .

السلطات السنغالية، بقيادة رئيس الوزراء عثمان سونكو، ترفض الاستجابة لهذه الشروط، معتبرة أن إعادة الهيكلة ستدفع البلاد نحو تقشف قاسٍ وركود اقتصادي يضرب وعود الحكومة في دعم الطبقات الهشة وتعزيز السيادة الوطنية. ويأتي هذا الموقف بعد أسابيع من خفض وكالة “ستاندرد آند بورز” التصنيف الائتماني للسنغال إلى مستوى “سي سي سي+”، في إشارة إلى ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد.

ديون تتجاوز الناتج المحلي وسبعة مليارات مخفية

كشفت مراجعة مالية حكومية أن الإدارة السابقة أخفت نحو 7 مليارات دولار من القروض عن السجلات الرسمية، ما جعل حجم الدين الحقيقي في نهاية 2024 يصل إلى 42.1 مليار دولار، أي ما يعادل 119% من الناتج المحلي الإجمالي، دون احتساب ديون الشركات الحكومية التي تشكل نحو 9% إضافية.

الفضيحة المالية دفعت صندوق النقد إلى تعليق برنامج تمويل بقيمة 1.8 مليار دولار كان قد أُقر عام 2023، مشترطًا إعادة هيكلة شاملة للدين كشرط أساسي لأي دعم جديد. إلا أن سونكو رفض المقترح، مؤكدًا أن بلاده لن تُعامل كدولة فاشلة.

سوق السندات يهتز والاستثمار يتراجع

المواجهة مع الصندوق انعكست مباشرة على الأسواق؛ حيث تراجعت سندات السنغال وارتفعت تكلفة التأمين ضد التعثر، وسط مخاوف من أن استمرار الخلاف قد يفاقم الأزمة ويرفع عجز الموازنة إلى مستويات غير قابلة للإدارة.

تجاذب سياسي داخل السلطة

ورغم أن الرئيس باسيرو ديوماي فاي يقود الدولة رسميًا، إلا أن سونكو يُنظر إليه باعتباره مهندس القرار الاقتصادي وصاحب التأثير الأقوى داخل الحكومة، ما يفتح الباب أمام صدام سياسي محتمل إذا استمرت الأزمة دون مخرج.

خطط بديلة قيد الاختبار

في محاولة للعودة إلى التوازن المالي دون الخضوع لشروط الصندوق، أعلنت الحكومة إجراءات تقشفية داخلية شملت فرض ضرائب على التبغ والكحول والمقامرة والتحويلات المالية عبر الهاتف، بالإضافة إلى تقليص نفقات السفر والمشتريات الحكومية.

غير أن مراقبين يحذرون من أن الإصلاحات وحدها قد لا تكون كافية لسد العجز الذي تسعى داكار لخفضه من 12.6% من الناتج في 2024 إلى 5.4% في 2025، وسط توقعات أكثر تشاؤمًا تشير إلى استمرار العجز عند مستويات مرتفعة لعدة أعوام.

خلاصة المشهد

السنغال اليوم أمام مفترق طرق مصيري:

  • قبول شروط الصندوق وما يرافق ذلك من مخاطر اجتماعية وسياسية،
    أو
  • التمسك بالسيادة الاقتصادية في مقابل تحديات مالية قاسية قد تقود إلى أزمة أعمق.

وفي ظل غياب اتفاق قريب، يبدو أن الصراع بين الواقعية الاقتصادية والرمزية السياسية للسيادة ما يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات.

زر الذهاب إلى الأعلى