تكنولوجيا

صعود تطبيق “نوشن”: من فكرة بسيطة إلى عملاق إنتاجية بقيمة 10 مليارات دولار

في عالم أدوات الإنتاجية السريع والمتغيّر، نادراً ما استطاع تطبيق أن يكتسب ولاء المستخدمين كما فعل “نوشن” (Notion). فقد بدأت القصة بفكرة جريئة تحولت إلى ظاهرة عالمية أعادت تعريف أسلوب تنظيم الأفراد والفرق للعمل، وكل ذلك مستوحى من بساطة مكعبات “ليغو” (Lego).

قدّم نوشن للمستخدمين مجموعة من العناصر الأساسية — مثل الصفحات، الجداول، القوائم، واللوحات — ليجمعوها بالطريقة التي يريدونها لبناء أنظمة متكاملة تناسب احتياجاتهم. وفي هذا التقرير، نستعرض رحلة صعود نوشن من بداياته المتواضعة إلى تحوّله لشركة تقدّر قيمتها اليوم بـ 10 مليارات دولار.

بداية الفكرة

في السابق، كان إنشاء أي منتج رقمي يحتاج إلى معرفة برمجية، لكن نوشن غيّر هذه المعادلة بالكامل. فقد منح المستخدمين — أفرادًا وشركات — أداة مرنة وسهلة الاستخدام تشبه “العمل بمكعبات ليغو”، حيث يمكن تجميع الكتل وصياغة أدوات جديدة تمامًا دون كتابة سطر واحد من الكود.

أصبح نوشن منصة شاملة لإدارة المهام، تدوين الملاحظات، التخطيط، إدارة المستندات، التعاون الجماعي، وغيرها، مع إمكانية تخصيص كل جزء بما يناسب المستخدم.

لكن الطريق نحو النجاح لم يكن سهلاً؛ إذ مرت الشركة بسنوات من التجارب والأخطاء، وإعادة البناء من الصفر، واتخاذ قرارات مصيرية

برمجيات مُلهمة من مكعبات ليغو

بدأت فكرة تمكين المستخدمين غير التقنيين من إنشاء البرمجيات عام 2003 مع إطلاق “ووردبريس”. ومع مرور الوقت، تبنّت شركات كثيرة فكرة “البرمجة بدون كود”.

كان من بين المتأثرين بهذه الفكرة مؤسسا نوشن إيفان تشاو وسيمون لاست، اللذان رأيا أن البرمجيات يجب أن تكون مرنة مثل مكعبات ليغو.

كان تشاو — الذي درس العلوم المعرفية — مولعًا بالفن والتصميم الرقمي، وكان يبني مواقع ويب لأصدقائه الذين لا يجيدون البرمجة. ومع ازدياد الطلب، حلم بأداة تسمح للجميع بإنشاء محتوى رقمي بسهولة.

تعرف تشاو لاحقًا على لاست، المهتم بتسهيل البرمجة للجميع، فبدأ الاثنان ببناء أداة لإنشاء المواقع من دون برمجة، وجمعا في البداية مليوني دولار لتمويل المشروع. ولكن كحال العديد من الشركات الناشئة، لم تسر الأمور كما خططا لها.

النجاح بعد الفشل

كان الإصدار الأول من نوشن مليئًا بالأخطاء وغير مستقر ولا يجذب المستخدمين. ومع نفاد المال وقلة العملاء، وجد المؤسسان نفسيهما أمام قرار مصيري: إغلاق الشركة أو إعادة بنائها بالكامل.

اختارا الحل الأصعب: أعادا بناء التطبيق من البداية، وسافرا إلى كيوتو في اليابان لخفض التكاليف، وسرحا جميع الموظفين. وفي مرحلة ما اضطر تشاو لاقتراض 150 ألف دولار من والدته لإنقاذ المشروع.

بعد عام كامل من العمل الشاق، ظهر الإصدار الجديد بتصميم بسيط بالأبيض والأسود، يحتوي على تدوين الملاحظات، ومعالجة النصوص، وقوائم المهام، وأكثر من 30 نموذجًا جاهزًا.

وبعد إطلاقه، جاء أول تحديث كبير: ميزة التعليق على الكتل، وهي واحدة من أهم أسس نوشن حتى اليوم.

إدراكًا لشعبية قواعد البيانات بين المستخدمين، ركّز الإصدار الثاني على قواعد البيانات العلائقية، التعاون الجماعي، القوالب، ولوحات “كانبان”. وقدّم التطبيق ميزة “التجميعات” مع 14 نوعًا مختلفًا، مما منح المستخدمين قدرة قوية على ربط البيانات وتنظيمها.

نجح الإصدار الثاني نجاحًا كبيرًا على منصة “Product Hunt”، وتجاوز نوشن حاجز مليون مستخدم، ودخلت شركات كبرى مثل “أمازون” و”أوبر” و”تويوتا” ضمن قائمة مستخدميه.

من شركة ناشئة إلى لاعب عالمي

مع جائحة كورونا، ازدادت الحاجة لأدوات التعاون عن بُعد، وهنا لمع نجم نوشن. فقد جمع التطبيق في أداة واحدة: تدوين الملاحظات، إدارة المشاريع، التعاون الداخلي، وتتبع المهام — ما جعله الخيار الأول للفرق العاملة عن بُعد.

أطلق نوشن أيضًا واجهة برمجة التطبيقات (API)، ما سمح بربطه مع أنظمة الدفع، تطبيقات إدارة العملاء، وغيرها.

وصل التطبيق لاحقًا إلى أكثر من 30 مليون مستخدم نشط، منهم 4 ملايين مستخدم مدفوع، وارتفعت الإيرادات بشكل كبير بفضل الطلب المؤسسي والتسويق الذكي.

ومع صعود الذكاء الاصطناعي، قدّم نوشن نظام AI مدمجًا، ليصبح من روّاد هذا المجال أيضًا.

اليوم، يتجاوز عدد مستخدميه 100 مليون مستخدم، وتبلغ قيمته السوقية 10 مليارات دولار.

ختامًا

قصة نوشن ليست مجرد نجاح تقني، بل قصة تصميم وإصرار واستفادة من لحظة تاريخية في عالم العمل الرقمي. فقد تحوّل من فكرة مستوحاة من مكعبات ليغو إلى أداة أساسية يعتمد عليها ملايين الأشخاص في الإنتاجية الشخصية وإدارة المشاريع والتعاون الجماعي.

إنه مثال على كيف يمكن لفكرة بسيطة — إذا نُفذت بالشغف والرؤية — أن تتحول إلى شركة عملاقة تغيّر الطريقة التي يعمل بها العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى