أفريقيا بين وفرة الموارد وندرة الكهرباء.. فجوة طاقية تعرقل مسار التنمية

رغم المشاريع الكبرى التي شهدتها القارة الأفريقية خلال العقدين الماضيين، من بناء سدود عملاقة إلى توسع ملحوظ في مشاريع الطاقة الشمسية، لا يزال إنتاج الكهرباء في أفريقيا أقل بكثير من احتياجات سكانها المتزايدة، وبعيدا عن المتوسط العالمي. فمع النمو السريع للسكان وضغط البنية التحتية، تبدو الفجوة الطاقية أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
تشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن القارة لم تسهم في عام 2023 إلا بـ3% من إجمالي إنتاج الكهرباء العالمي، في وقت لم يتجاوز فيه متوسط الوصول إلى الكهرباء في 53 دولة أفريقية نسبة 60.9%، دون تحسن يذكر خلال العامين الأخيرين. ويعتمد الإنتاج الأفريقي على الغاز الطبيعي بنسبة 41.7%، يليه الفحم بـ24.7%، ثم الطاقة الكهرومائية بـ18.4%.
ورغم امتلاك أفريقيا 60% من أفضل إمكانات الطاقة الشمسية في العالم، لم تحصل سوى على 2% من الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة عام 2024، مما يعكس فجوة واضحة بين الإمكانات الضخمة وحجم الاستثمار الفعلي.
فجوة تتسع في إنتاج الكهرباء
تكشف المقارنات بين دول ذات تعداد سكاني متقارب حجم الاختلال بوضوح؛ فإسبانيا مثلاً أنتجت نحو 290 تيراوات/ساعة عام 2023، بينما لم يتجاوز إنتاج السودان 9 تيراوات/ساعة رغم تقارب عدد السكان. أما جمهورية الكونغو الديمقراطية ذات الـ110 ملايين نسمة، فكان إنتاجها أقل من 8 تيراوات/ساعة.
على الجانب الآخر من العالم، بلغ متوسط الإنتاج الشهري في الولايات المتحدة 360 تيراوات/ساعة، وتجاوز إنتاج الصين السنوي 10 آلاف تيراوات/ساعة، وهو فارق يعكس مدى اتساع الهوة في القدرات الكهربائية.
السودان وإثيوبيا.. مشاريع كبيرة دون اكتفاء فعلي
قبل الحرب في السودان عام 2023، كانت السدود توفر نحو نصف الإنتاج المحلي، لكن القدرة الإجمالية بقيت عند حدود 3.5 غيغاوات، وهو ما دفع البلاد إلى استيراد الكهرباء من مصر وإثيوبيا لتغطية النقص.
وفي إثيوبيا، ورغم اكتمال بناء سد النهضة وملء خزانه، لم ينعكس ذلك مباشرة على مستوى الخدمة داخل البلاد. فالتحديات الأساسية تكمن في ضعف شبكات التوزيع، وتعرضها المستمر للسيول والأحمال الزائدة، ما يحد من وصول الكهرباء إلى مناطق واسعة. وقد أعلنت شركة الكهرباء الإثيوبية أن القدرة الإنتاجية بلغت 7910 ميغاوات بفضل المشاريع الكبرى، مع تحقيق إيرادات جيدة من تصدير الكهرباء، لكن دون الوصول إلى اكتفاء داخلي.
ترتيب أكبر منتجي الكهرباء في أفريقيا
حافظت جنوب أفريقيا على صدارة إنتاج الكهرباء في القارة عام 2023 بنحو 229 تيراوات/ساعة، تليها مصر بـ215 تيراوات/ساعة، ثم الجزائر والمغرب، بينما جاءت نيجيريا في المركز الخامس بـ40 تيراوات/ساعة، وليبيا في المركز السادس بـ33 تيراوات/ساعة.
ورغم ريادة جنوب أفريقيا، فإن اعتمادها على الفحم ازداد ليصل إلى نحو 80% من إنتاجها بين منتصف 2024 ومنتصف 2025، بينما تتجه دول أخرى إلى تنويع مصادرها نحو الطاقة الشمسية والمائية والغاز الطبيعي.
الطاقة الشمسية.. حلول بديلة يقودها الأفراد
بلغ إنتاج الطاقة الشمسية في أفريقيا عام 2024 نحو 21.5 غيغاوات فقط، وهو رقم محدود مقارنة بالصين التي أضافت 8 غيغاوات خلال خمسة أشهر فقط. وقد عوّض القطاع الخاص والأفراد جانبًا من ضعف الاستثمار الحكومي عبر استيراد الألواح الشمسية، حيث ارتفعت الواردات من الصين بنسبة 60% لتصل إلى 15 غيغاوات، وسجلت 20 دولة أفريقية مستويات استيراد قياسية.
هذا التوجه يعكس بحث السكان عن حلول بديلة وسط غياب مشاريع حكومية كبرى قادرة على مواكبة الطلب.
جهود مؤسسية ودولية.. ولكن التحديات مستمرة
أطلق البنك الأفريقي للتنمية مؤشر “كفاءة الطاقة” لتقييم أداء 43 دولة تمتلك هيئات تنظيمية رسمية. وأظهرت نتائج عام 2024 تقدمًا ملحوظًا في دول مثل كينيا والسنغال على مستوى الحوكمة والإصلاحات، بما في ذلك تحسين التعرفة وتعزيز أداء المرافق الحكومية.
كما لعبت مبادرات دولية دورًا مهمًا في دعم القطاع، أبرزها مبادرة “باور أفريكا” الأميركية، التي هدفت إلى إيصال الكهرباء لـ60 مليون منزل وشركة، بتمويلات تجاوزت 54 مليار دولار. لكن توقفها عام 2025 أثار مخاوف بشأن مستقبل الدعم الدولي للقارة.
تحديات مستمرة أمام النمو الاقتصادي
لا يزال نقص الكهرباء، إلى جانب ضعف البنية التحتية للنقل، من أبرز العقبات أمام التنمية الصناعية في أفريقيا. فغياب الطاقة الكافية يعطل الصناعات التحويلية، ويجبر الدول على تصدير المواد الخام بدل تصنيعها محليًا، مما يقلل من القيمة المضافة ويحرم ملايين الأفارقة من فرص تحسين مستوى المعيشة.
ورغم الإمكانات الهائلة المتاحة، يبقى الطريق طويلًا أمام القارة لتحقيق أمن طاقي مستدام يواكب تطلعات التنمية والازدهار.









