هجمات الفدية الإلكترونية تضرب قلب صناعة السيارات: اختراق “نيسان” يكشف هشاشة الأمن السيبراني في الابتكار العالمي

لم تعد الهجمات الإلكترونية مقتصرة على القطاعات التقليدية مثل المال أو الصحة أو المؤسسات الحكومية؛ فقد امتد تأثيرها إلى الصناعات التي تعتمد على الابتكار والبحث والتطوير، حيث تتداخل الملكية الفكرية مع التنافسية الاقتصادية.
وفي هذا السياق، أكدت شركة نيسان تعرض ذراعها التصميمية “كريتيف بوكس” لهجوم فدية نفذته مجموعة “كيلين”، التي زعمت سرقة أكثر من 400 ألف ملف يصل حجمها إلى نحو 4 تيرابايت من البيانات شديدة الحساسية. ولا يهدد هذا الهجوم نيسان وحدها، بل يوجه تحذيراً مباشراً لصناعة السيارات العالمية بأن الابتكار لم يعد محصّناً كما كان.
تصاعد الهجمات على قطاع السيارات العالمي
يمثل اختراق “كريتيف بوكس” حلقة جديدة في سلسلة هجمات إلكترونية طالت شركات سيارات كبرى حول العالم. ويعكس هذا الاستهداف مجموعة من العوامل، من بينها التحول الرقمي المتسارع، وتعقيد سلاسل التوريد، والقيمة الهائلة للبيانات، خصوصاً تلك المتعلقة بالتصاميم والابتكار.
الهجوم الجديد أثار قلقاً واسعاً بشأن احتمال كشف أسرار تصميمية وتقنية، خاصة أن استوديوهات التصميم غالباً ما تمتلك وصولاً كاملاً للملكية الفكرية مع ضعف في الرقابة الأمنية مقارنة بالمراكز الرئيسة للشركات. وهذا يجعلها أهدافاً مغرية لمجموعات الجريمة الإلكترونية.
ولا تقتصر دوافع هذه الهجمات على الربح المالي فقط؛ ففي بعض الحالات، تلعب الأهداف الجيوسياسية دوراً رئيسياً في السعي للحصول على تصاميم صناعية متقدمة يمكن أن تغير موازين القوى التكنولوجية.
خسائر محتملة وتداعيات خطيرة
قد تحتوي البيانات المسربة على مخططات مكونات، ومعلومات الموردين، وتسلسلات الإنتاج، ما قد يعرض سلسلة التوريد بأكملها للخطر. كما أن إمكانية وصول المنافسين إلى هذه البيانات تخلق تهديداً مباشراً لسرية الابتكار.
وتواجه نيسان خطر الاضطرار إلى إعادة تصميم بعض المكونات لتجنب أي دعاوى قانونية أو للحفاظ على تفردها التقني، مما قد يؤدي إلى تأخير إطلاق المنتجات وزيادة التكلفة التشغيلية.
“كيلين” تضغط: تسريب صور وتهديد بنشر الملفات الكاملة
لزيادة الضغط، نشرت مجموعة “كيلين” عدداً من الصور المأخوذة من البيانات المسروقة، والتي تشمل نماذج ثلاثية الأبعاد، ووثائق مالية، وتقارير داخلية، وتسجيلات وصوراً لتصميمات داخلية وخارجية لعدد من السيارات.
وهددت المجموعة بنشر كامل الملفات إذا لم تعترف نيسان بالاختراق أو تلبّي مطالبها، مما يضاعف المخاوف من إمكانية استغلال هذه البيانات في التجسس الصناعي أو التصميم العكسي أو الإضرار بسمعة الشركة.
تاريخ متكرر للاختراقات ضد “نيسان”
أكدت نيسان أنها اكتشفت وصولاً مشبوهاً إلى خوادم “كريتيف بوكس” وأوقفت عمليات الدخول إليها فوراً، مع بدء تحقيقات رسمية دون الإفصاح عن تفاصيل الفدية.
لكن هذا الحادث ليس الأول؛ ففي مايو 2024 تعرض فرع الشركة في أميركا الشمالية لهجوم سرق بيانات أكثر من 53 ألف موظف، وفي مارس من العام نفسه ادعت مجموعة “أكيرا” المرتبطة بروسيا اختراق فرعها في أستراليا ونيوزيلندا، مما أثر على بيانات 100 ألف عميل وتاجر.
وفي أبريل، تأثر مركز الاتصالات التابع لها بعد اختراق مزوّد خدمة خارجي. كما شهدت الشركة في 2022 تسريب بيانات لآلاف العملاء بعد اختراق مزود برمجيات آخر.
مجموعة “كيلين”: فاعل بارز في ساحة الجريمة الإلكترونية
تحولت “كيلين” إلى واحدة من أكثر مجموعات الفدية نشاطاً، مسجلةً ما يقرب من 500 ضحية خلال عام واحد. تعمل المجموعة بنظام “الفدية كخدمة” (RaaS)، حيث توفر أدواتها لشركاء ينفذون الهجمات مقابل حصة من العائدات.
وقد اشتهرت باستهداف المستشفيات وقطاع التصنيع، وسبق أن عطلت خدمات صحية في بريطانيا وأدت إلى وفاة مريض بعد عجز المستشفى عن تقديم الرعاية بسبب الهجوم.
خاتمة: الابتكار في مواجهة تهديدات رقمية غير مسبوقة
يكشف اختراق “نيسان” أن الملكية الفكرية أصبحت ساحة صراع جديدة، وأن قطاع السيارات — في خضم سباق عالمي نحو السيارات الكهربائية والذاتية القيادة — بات في حاجة ملحة إلى استراتيجية أمن سيبراني متقدمة.
ففي هذا السباق المحموم، لم يعد السؤال هل ستتعرض الشركات للهجوم، بل متى؟
ومن سيفوز في المستقبل؟ الشركات التي تحمي أسرارها… أم تلك التي تفقدها في لحظة ضعف رقمية؟









