صحة

خريطة طريق طبية جديدة.. الذكاء الاصطناعي يرسم مستقبل التشخيص والعلاج في الحالات الحرجة

وضع فريق دولي من الباحثين تصورًا ثوريًا لأداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي بهدف مساعدة الأطباء في وضع خطط علاج دقيقة وسريعة للمرضى المصابين بحالات حرجة، وذلك من خلال تحليل مؤشرات استجابة الجهاز المناعي لديهم.

هذه الأداة، المبنية على تقييم الأنماط الجينية للخلايا المناعية (البصمة الجينية)، تتيح تحديد حالة الجهاز المناعي بدقة، مما يساعد أطباء الطوارئ على اختيار بروتوكولات التشخيص والعلاج الأنسب للمرضى المشتبه بإصابتهم بعدوى خطيرة أو حالات حادة مثل الإنتان، الحروق، الالتهابات الشديدة، أو الضائقة التنفسية الحادة.

بصمة جينية تكشف الحالة المناعية

يعتمد النظام الجديد على مجموعة اختبارات تقيس النشاط الجيني داخل الخلايا المناعية، الأمر الذي يساعد الأطباء على تحديد ما إذا كان المريض بحاجة إلى علاج بشكل فوري، وكذلك تحديد نوع العلاج الأكثر فعالية.

الدراسة التي قادها الدكتور بورفيش كاتري، أستاذ المعلوماتية الطبية الحيوية في جامعة ستانفورد، بالتعاون مع جامعات أوروبية وأميركية عدة، نُشرت في مجلّة نيتشر ميديسن، وتناولها موقع يوريك أليرت. وتأتي هذه الدراسة استكمالًا لأبحاث سابقة أثبت فيها كاتري وفريقه قدرة البصمات الجينية على الكشف عن وجود العدوى وتحديد نوعها وشدتها.

واستثمر الفريق هذه المعرفة في تطوير اختبار قابل للاستخدام السريري، حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية مطلع هذا العام.

أربع فئات تحدّد العلاج الأمثل

توصل الباحثون إلى إمكانية تقسيم المرضى إلى أربع مجموعات وفقًا لطبيعة الخلل المناعي لديهم:

  1. اختلال تنظيم النخاع
  2. اختلال تنظيم الخلايا اللمفاوية
  3. اختلال مشترك بين النخاع واللمف
  4. استجابة مناعية متوازنة

ويساعد هذا التقسيم في اختيار الدواء المناسب بدقة؛ فمرضى اختلال النخاع يستفيدون من علاجات تستهدف هذا النوع من الخلايا، بينما يحتاج مرضى اختلال اللمف إلى أدوية موجّهة للوظائف اللمفاوية. وفي الحالات التي يظهر فيها خلل مزدوج، يكون العلاج الأنسب مزيجًا من الأدوية المستهدِفة لكلا الجانبين، مما يلغي كثيرًا من التخمين الذي يرافق القرارات العلاجية في الحالات الحرجة.

ولتحقيق ذلك، ابتكر الفريق نظامًا لتقييم اختلال المناعة من خلال موازنة “البصمات الجيدة” الدالة على استجابة صحية، و”البصمات السيئة” المرتبطة بخطر أعلى لمضاعفات خطيرة.

وأظهرت النتائج أن ارتفاع نسبة البصمات السيئة ارتبط بشكل واضح بتدهور الحالات في أمراض مثل الإنتان، الحروق، الصدمات، وضيق التنفس الحاد.

“تراي فيرتي”.. اختبار ذكاء اصطناعي يغيّر قواعد اللعبة

يعتمد الاختبار الطبي الجديد المعروف باسم “تراي فيرتي” (TriVerity) على قياس نشاط 29 جينًا رئيسيًا، ويستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم ثلاث درجات أساسية:

  • احتمال الإصابة بعدوى بكتيرية
  • احتمال الإصابة بعدوى فيروسية
  • احتمال تطوّر المرض إلى حالة تتطلب عناية مركّزة خلال 7 أيام

وتضمّنت دراسة التحقق من موثوقية “تراي فيرتي” مشاركة 1222 مريضًا من 22 قسم طوارئ في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تم تقييم دقة الاختبار في الكشف عن العدوى وتوقع شدة المرض في بيئات سريرية فعلية.

وأظهرت النتائج تفوّقًا واضحًا للاختبار مقارنة بثلاثة معايير تشخيصية معتمدة حاليًا، مما قد يفتح الباب أمام تحسينات كبيرة في دقة التشخيص، وسرعة اتخاذ القرار، وترشيد استخدام المضادات الحيوية.

خطوة نحو طب أكثر دقة واستجابة أسرع

يمثل هذا الإنجاز نقلة نوعية في إدارة الحالات الحرجة، حيث يمنح الأطباء القدرة على فهم الحالة المناعية للمريض في دقائق، بدل الانتظار الطويل لنتائج زراعة البكتيريا أو التحاليل التقليدية. ومع تطور هذه الأدوات، يقترب الطب الحديث خطوة إضافية نحو تحقيق مفهوم العلاج المخصص لكل مريض، وهو اتجاه قد يساهم في إنقاذ أرواح كثيرة خلال السنين المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى