الأخبار العالمية

فوز تاريخي لزهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك وتداعياته السياسية

حقق السياسي الشاب زهران ممداني إنجازا تاريخيا بفوزه بمنصب عمدة نيويورك، ليصبح أول مسلم يتولى هذا المنصب في قلب المركز المالي للولايات المتحدة. وجاء فوزه بعد سباق انتخابي استثنائي واجه فيه منافسه الديمقراطي المخضرم أندرو كومو، الحاكم السابق لولاية نيويورك، الذي خاض الانتخابات مستقلا مدعوما من لوبيات المال والأعمال والرئيس الأميركي دونالد ترامب.

شهدت الانتخابات مشاركة واسعة تجاوزت مليوني ناخب من أصل 4.7 ملايين مسجل، في نسبة هي الأعلى منذ عام 1969، ما يعكس حجم التفاعل الشعبي مع هذا الاستحقاق غير المعتاد.

برنامج انتخابي اجتماعي جريء

قدم ممداني برنامجا وصفه كثيرون بأنه يساري راديكالي، تعهد فيه بزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى لتمويل خدمات عامة موجهة للطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، من بينها جعل الحافلات مجانية وتحسين سرعتها، وتجميد الإيجارات المرتفعة، ورفع الحد الأدنى للأجور تدريجيا ليبلغ 30 دولارا للساعة بحلول 2030، مقارنة بالحد الحالي البالغ 16.50 دولارا.

كما أعلن عزمه تأسيس متاجر تابعة للبلدية لضمان الأمن الغذائي، وتوفير رعاية كاملة للأطفال. وبعد إعلان النتائج، اعتبر أن فوزه يمثل تفويضا شعبيا لتبني سياسة جديدة تعيد الاعتبار للعدالة الاقتصادية.

قلق الأوساط المالية والحزبية

أثار فوز ممداني مخاوف أصحاب الثروات والشركات الكبرى في المدينة، وسط توقعات بخروج رؤوس أموال من نيويورك اعتراضا على توجهاته المالية. كما يُتوقع أن تصطدم سياساته بطيف أكثر وسطية داخل الحزب الديمقراطي، تقوده حاكمة الولاية كاثي هوكول.

رفع ممداني شعارات قوية خلال حملته، أبرزها: “نيويورك للجميع وليست للأثرياء فقط” و “الكرامة الاقتصادية للجميع”. وقد كشف عن إنفاق بعض المليارديرات ملايين الدولارات لمنع وصوله للمنصب، مؤكدا أنهم يرون فيه “تهديدا وجوديا”.

مواجهة مع ترامب

عبّر ترامب عن انزعاجه الشديد من فوز ممداني، متهما إياه بتبني “أجندة شيوعية” وعدم احترام واشنطن، وملوحا بتقليص التمويل الفيدرالي للمدينة. أما ممداني فقد خاطبه مباشرة بعد فوزه قائلا: “أعلم أنك تشاهد.. ارفع الصوت”، ما يبرز طبيعة الصراع السياسي المحتدم بينهما.

ما وراء الفوز: تحولات في المزاج الأميركي

يرى مراقبون أن هذا الفوز يشير إلى تغيّر ملحوظ في المزاج العام الأميركي، وعودة الاهتمام بقضايا العدالة الاقتصادية وحقوق الفقراء بعد سنوات من هيمنة النقاشات الثقافية والهوياتية على المشهد السياسي.

كما يعكس أيضا تزايد الميل الشعبي نحو سياسات مختلفة عن الخطاب اليميني الصاعد في الغرب خلال السنوات الأخيرة.

القضية الفلسطينية.. وأثرها في المعادلة

يُعد موقف ممداني الواضح المؤيد لفلسطين أحد أبرز عوامل الجدل حوله. فهو يعتبر الولايات المتحدة شريكا أساسيا في الاحتلال، ويطالب بوقف دعم إسرائيل، وسبق أن أعلن استعداده لاعتقال نتنياهو إذا دخل نيويورك، انسجاما مع القانون الدولي.

كان هذا الموقف ليشكل عقبة كبرى في الماضي، إلا أنه تحوّل — وفق المراقبين — إلى نقطة قوة في مدينة تضم أكبر جالية يهودية خارج إسرائيل. وأشارت تقارير إلى أن مواقفه جذبت شرائح واسعة من الشباب والديمقراطيين المتذمرين من حرب غزة.

غضب إسرائيلي واسع

أثار فوزه ردود فعل حادة في إسرائيل، حيث وصفته شخصيات سياسية بأنه “إسلامي متطرف” و“معادٍ للسامية” ودعت بعض الأصوات اليهود الأميركيين للهجرة إلى إسرائيل. غير أن ممداني أكد التزامه بحماية الجالية اليهودية وتعزيز ميزانيات مكافحة جرائم الكراهية بنسبة 800%.

دلالات أعمق للمستقبل

لا يُتوقع أن يغير ممداني فورا سياسة واشنطن تجاه تل أبيب، لكن وصول شخصية بمواقفه إلى قيادة أكبر مدينة أميركية يمثل، بحسب محللين، ناقوس خطر لإسرائيل. فهو يشير إلى تحول متسارع في الرأي العام الأميركي، خصوصا بين الشباب، وإلى احتمال تغيّر المزاج داخل الحزب الديمقراطي تجاه إسرائيل مستقبلا.

كما يؤكد أن ما كان مستحيلا قبل حرب غزة أصبح اليوم ممكنا، وأن السياسيين الأميركيين قد يضطرون لإعادة حساباتهم قبل إعلان دعم مطلق لإسرائيل كما كان معتادا لعقود.

خلاصة

فوز زهران ممداني ليس مجرد انتصار انتخابي، بل حدث يعكس تحولا سياسيا واجتماعيا عميقا في الولايات المتحدة. فهو يجسد صعود خطاب العدالة الاجتماعية، وتراجع تأثير لوبيات المال، وتغير موقف جزء متنامٍ من الأميركيين من قضية فلسطين وإسرائيل. وقد تكون هذه اللحظة بداية لمرحلة جديدة في السياسة الأميركية، محليا ودوليا.

زر الذهاب إلى الأعلى