دراسة دنماركية: النحافة المفرطة أخطر من السمنة الطفيفة وقد تزيد من خطر الوفاة بمعدل يفوق الضعف

كشفت دراسة حديثة أن النحافة المفرطة قد تكون أكثر خطورة على الصحة من زيادة الوزن أو السمنة الطفيفة، مؤكدة أن بعض الأشخاص يمكن أن يكونوا “بدناء لكن يتمتعون بلياقة بدنية جيدة”.
الدراسة التي أجراها علماء من الدنمارك ونُشرت في موقع ساينس ديلي، ستُعرض خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأوروبية لدراسة مرضى السكري في فيينا، وأظهرت نتائجها أن الأشخاص الذين يعانون من زيادة بسيطة في الوزن لا يكونون أكثر عرضة للوفاة مقارنةً بأولئك الذين يقعون ضمن الحد الأعلى من النطاق الصحي لمؤشر كتلة الجسم (22.5 إلى 25).
ويُعرف هذا المفهوم في الأوساط الطبية باسم “السمنة مع اللياقة البدنية” أو Metabolically Healthy Obesity، أي أن الشخص قد يكون ذا وزن زائد، لكنه يحتفظ بوظائف أيضية سليمة وصحة عامة جيدة.
ما هو مؤشر كتلة الجسم؟
يُعد مؤشر كتلة الجسم (BMI) أحد أكثر المقاييس استخدامًا لتقييم الحالة الصحية المرتبطة بالوزن. ويُحسب عبر قسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر.
فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص يزن 75 كغ ويبلغ طوله 1.70 متر، فإن حساب المؤشر يكون:
75 ÷ (1.7 × 1.7) = 25.95، ما يعني أنه في نطاق زيادة الوزن.
ورغم أن هذا المؤشر لا يقيس نسبة الدهون بدقة، فإنه يُستخدم عالميًا كأداة لتقدير الوزن الزائد أو النقص وتحديد المخاطر الصحية المحتملة.
تصنيفات مؤشر كتلة الجسم
- أقل من 18.5: نقص في الوزن وقد يؤدي إلى ضعف المناعة وهشاشة العظام.
- بين 18.5 و24.9: وزن طبيعي.
- بين 25 و29.9: زيادة في الوزن.
- 30 فأكثر: سمنة بدرجاتها المختلفة.
السمنة مع اللياقة البدنية
شملت الدراسة فئة “السمنة مع اللياقة البدنية” أولئك الذين يتراوح مؤشر كتلة جسمهم بين 25 و30 (زيادة وزن) وبين 30 و35 (الحد الأدنى من السمنة).
وفي المقابل، أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يعانون من نقص الوزن — أي من لديهم مؤشر أقل من 18.5 — كانوا أكثر عرضة للوفاة بمقدار 2.7 مرة مقارنةً بالفئة المرجعية. حتى الذين يقعون في الحد الأدنى من النطاق الصحي (18.5 إلى 20) واجهوا خطر وفاة مضاعفًا تقريبًا.
أما أولئك الذين تتراوح مؤشراتهم بين 20.0 و22.5 فكانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 27%، في حين زادت نسبة الخطر لدى الفئة التي تقع بين 35 و40 (السمنة من الدرجة الثانية) إلى 23% فقط، ما يعني أن النحافة المفرطة قد تكون أشد فتكًا من بعض حالات السمنة.
تفسير النتائج
أوضحت الدكتورة سيغريد بيرج غريبشولت، الباحثة الرئيسية من مستشفى جامعة آرهوس، أن هذه النتائج قد تعود إلى ما يسمى بـ”العلاقة السببية العكسية”، إذ إن بعض الأشخاص قد يفقدون وزنهم نتيجة أمراض مزمنة أو خفية، وليس بسبب نمط حياة صحي.
وأضافت: “من الممكن أن يكون المرض وليس النحافة في حد ذاتها هو السبب وراء ارتفاع معدلات الوفاة، خاصةً وأن البيانات المجمعة جاءت من أشخاص خضعوا لفحوص طبية لأسباب صحية”.
كما أشارت إلى احتمال أن يتمتع بعض الأفراد ذوي مؤشر كتلة الجسم المرتفع بصفات وقائية معينة مثل كتلة عضلية أفضل أو عوامل وراثية تحافظ على صحتهم لفترة أطول، وهو ما يفسر ما يُعرف بظاهرة “السمنة الصحية”.
دراسات سابقة تدعم النتائج
وتأتي هذه النتائج لتتسق مع دراسات سابقة أظهرت أن نقص الوزن قد يرتبط بارتفاع مخاطر الوفاة أكثر من السمنة المعتدلة، خاصة لدى كبار السن.
وفي الشهر الماضي، نُشرت دراسة في مجلة القلب الأوروبية كشفت أن الأشخاص النحيفين قد يواجهون خطر نوبات قلبية قاتلة بسبب تراكم الدهون الحشوية — وهي الدهون العميقة المحيطة بالكبد والمعدة والأمعاء — التي لا تُرى من الخارج لكنها تشكل تهديدًا كبيرًا لصحة القلب.
وأشارت الدراسة إلى أن شكل الجسم قد يكون أكثر أهمية من الوزن وحده في تحديد المخاطر القلبية، إذ أظهرت أن الرجال الذين يتراكم لديهم الدهون حول البطن (شكل التفاحة) أكثر عرضة لشيخوخة القلب المبكرة، مقارنة بالنساء اللواتي يخزنّ الدهون حول الفخذين والوركين (شكل الكمثرى)، واللواتي يتمتعن غالبًا بقلوب أكثر صحة وشبابًا.
دلالات طبية هامة
تؤكد هذه الأبحاث أن النحافة ليست دائمًا مرادفًا للصحة، وأن الوزن الزائد الطفيف قد لا يمثل خطرًا إذا كان الشخص يتمتع بمستوى جيد من اللياقة البدنية ونظام غذائي متوازن.
ويشير الخبراء إلى أن التركيز على نمط الحياة العام، بما في ذلك النشاط البدني المنتظم، والتغذية الصحية، والنوم الكافي، قد يكون أكثر أهمية من السعي إلى بلوغ وزن مثالي ظاهريًا.
كما شدد الباحثون على أن تقييم المخاطر الصحية يجب أن يشمل تحليل توزيع الدهون، ومؤشرات الأيض، وضغط الدم، ومستوى السكر والكوليسترول، وليس الاعتماد فقط على مؤشر كتلة الجسم.
الخلاصة
تفتح هذه النتائج الباب أمام إعادة النظر في المفاهيم التقليدية عن الوزن والصحة، وتؤكد أن النحافة الزائدة قد تحمل مخاطر خفية لا تقل خطورة عن السمنة، بل قد تتجاوزها في بعض الحالات.
وبينما يبقى الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن هو العامل الأهم، فإن هذه الدراسات تذكّرنا بأن الصحة لا تُقاس بالأرقام فقط، وأن الجسد المتوازن والنشاط المستمر قد يكونان المفتاح الحقيقي لطول العمر وجودة الحياة.









