واشنطن تفتح باب الترشيحات لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة وتثير غضب أميركا اللاتينية

قالت الولايات المتحدة، في بيان بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة، إنها تعتزم النظر في ترشيحات من مختلف دول العالم لشغل منصب الأمين العام القادم للأمم المتحدة، وهي خطوة أثارت جدلاً واسعًا، خصوصًا بين دول أميركا اللاتينية التي ترى أن الوقت قد حان لأن يأتي الأمين العام من منطقتها.
ومن المقرر أن يُنتخب الأمين العام العاشر خلفًا لأنطونيو غوتيريش العام المقبل، لولاية تمتد خمس سنوات تبدأ في الأول من يناير/كانون الثاني 2027، في سباق يُتوقع أن يكون محمومًا بين مناطق العالم المختلفة.
ترشيحات مرتقبة وإجراءات رسمية
سيبدأ السباق رسميًا عندما يوجّه مجلس الأمن، المكوّن من 15 عضوًا، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 دولة، رسالة مشتركة بحلول نهاية العام الجاري لطلب الترشيحات الرسمية. ولن يُسمح إلا بترشيح المتنافسين من قبل إحدى الدول الأعضاء، في خطوة تؤكد الطابع الرسمي والسياسي لهذه العملية.
وقال ريكاردو موسكوسو، نائب سفير بنما لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن: “نأمل أن تُؤخذ في الاعتبار الخبرات القيادية في الدول النامية لهذا المنصب الحيوي، خصوصًا من منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي”، مشيرًا إلى أن بنما، العضو حاليًا في المجلس لمدة عامين، تعتبر أن الوقت قد حان لأن تمثل منطقتها العالم من موقع القيادة داخل المنظمة الأممية.
التناوب الجغرافي.. تقليد لا قاعدة
وعلى الرغم من أن التناوب الجغرافي على منصب الأمين العام بات تقليدًا متبعًا في المنظمة، إلا أنه ليس قاعدة قانونية ملزمة. وأوضح السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن هذا التناوب هو “عرف وليس التزامًا”، مضيفًا أنه لا يمانع في تولي امرأة المنصب “شرط أن يكون الاختيار قائمًا على الكفاءة وليس النوع”.
وفي السياق ذاته، تتعرض الأمم المتحدة لضغوط متزايدة لاختيار أول امرأة في تاريخها لتولي هذا المنصب. وقالت سفيرة الدانمارك كريستينا ماركوز لاسن إن الوقت قد حان لتتولى امرأة قيادة المنظمة بعد مرور ثمانين عامًا على تأسيسها.
أسماء نسائية تدخل السباق مبكرًا
ورغم أن السباق الرسمي لم يبدأ بعد، أعلنت بعض الدول نيتها الترشح مبكرًا. فقد أكدت تشيلي أنها ستدعم ترشيح الرئيسة السابقة ميشيل باشليه، بينما تستعد كوستاريكا لترشيح نائبة الرئيس السابقة ريبيكا جرينسبان. ويتوقع أن تدخل دول أخرى من آسيا وأفريقيا السباق خلال الأشهر المقبلة، في محاولة لكسر النمط الجغرافي التقليدي لهذا المنصب.
إصلاحات مطلوبة ومجلس أمن مأزوم
تزامن هذا الحراك مع تصاعد الدعوات لإصلاح منظومة الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن الدولي، الذي يواجه انتقادات بسبب عدم فاعليته وتكرار استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا.
وفي كلمة عبر الفيديو، أقر الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش بأن شرعية مجلس الأمن “هشة”، وأن الإصلاحات في بنيته “ضرورية وطال انتظارها”، مشيرًا إلى أن بعض الأعضاء تصرفوا مرات عديدة بما يخالف مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مما قوض الثقة بالمنظمة الدولية. كما شدد على ضرورة توسيع عضوية المجلس لمعالجة اختلال التوازن القائم وتمثيل الدول النامية بشكل أفضل.
دعوات عربية وإفريقية للإصلاح
انضمت عدة دول عربية وإفريقية إلى هذه الدعوات، إذ طالبت الجزائر والصومال والكويت والأردن وتونس، خلال احتفال الأمم المتحدة بيومها العالمي، بإصلاح المنظومة الدولية لتصبح أكثر عدلاً وفاعلية في التعامل مع قضايا الأمن والسلم الدوليين.
وفي السياق نفسه، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوته لإعادة هيكلة مجلس الأمن الدولي، مؤكدًا أن العالم اليوم بحاجة إلى نظام يعكس تطلعات جميع الشعوب لا مصالح القوى الكبرى فقط.
الفيتو.. معضلة مستمرة
وتبقى مسألة حق النقض أبرز عقبة في طريق الإصلاح، إذ يُستخدم الفيتو بشكل متكرر لتعطيل القرارات الإنسانية، ولا سيما تلك المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وتتعرض الولايات المتحدة لانتقادات حادة بسبب استخدامها المتكرر لهذا الحق في مواجهة القرارات التي تدين إسرائيل أو تطالب بوقف الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية.
ويرى محللون أن استمرار الفيتو الأميركي في تعطيل قرارات مجلس الأمن يهدد مكانة المجلس كمؤسسة ضامنة للسلام الدولي، ويكرس حالة من عدم الثقة بين الشعوب والدول النامية تجاه المنظمة.
خاتمة
مع اقتراب موعد اختيار الأمين العام الجديد، تدخل الأمم المتحدة مرحلة مفصلية في تاريخها. فبينما تسعى واشنطن إلى فتح باب الترشيحات أمام جميع دول العالم، تتصاعد المطالب بتجديد حقيقي داخل المنظمة يعكس الواقع الدولي الراهن. ويبقى السؤال الأهم: هل ستشهد الأمم المتحدة تحولًا تاريخيًا في قيادتها وإصلاح مؤسساتها، أم ستظل تدور في فلك القوى الكبرى التي ترسم ملامح قراراتها منذ 80 عامًا؟









