“الريشة السوداء”.. رواية محمد فتح الله تعيد إحياء سيرة فيليس ويتلي بين العبودية والشعر

هي رواية أفريقية برؤية عربية، يكتبها الشاعر والروائي الليبي محمد فتح الله، لتروي سيرة شاعرة أفريقية من زمن العبودية هي فيليس ويتلي، أول امرأة من أصل أفريقي تنشر ديواناً شعرياً في العالم الناطق بالإنجليزية. روايته الجديدة “فيليس الريشة السوداء” ليست مجرد سرد لحياة شاعرة، بل تأمل عميق في الوجود والظلم الإنساني وخسارات المبدع، حيث تمتزج فيها الكتابة بالشعر والمقاومة، ويختلط فيها صوت السارد بصوت الشاعرة في حوار خلاق ينتج رواية تمجّد الحرية والجمال.
في هذه الرواية، يعيد فتح الله صياغة الحكاية المعروفة لفيليس ويتلي بأسلوب شعري وفلسفي، يجعل النص أقرب إلى قصيدة طويلة تتأمل الألم الإنساني والذاكرة والهوية. وتتحول البطلة من مجرد ضحية للعبودية إلى رمز إنساني يقاوم بالقلم والخيال، فتغدو قصتها حكاية عن تحويل السواد إلى ضوء، والأسر إلى إبداع.
تبدأ الرواية من نهايتها، من “نهاية قصيدة”، حيث تموت فيليس في بوسطن، بعد حياة مليئة بالفقد والمنفى الداخلي. وبين لحظتي الميلاد والموت، تمتد رحلة الفتاة التي اختُطفت من غامبيا طفلة لتباع في أميركا عبدة، ثم تتحول إلى شاعرة تخط بحبرها الأسود قصائد بيضاء تملأ العالم.
وفي مشهد مليء بالتناقض، تمسك فيليس بريشتها السوداء لتكتب عن الآلهة والشياطين، عن الحرية والعبودية، عن يسوع وجورج واشنطن، وعن أفريقيا التي نسيت ملامحها.
تفيض الرواية بالصور الشعرية واللغة الوجدانية التي تكشف عن خلفية فتح الله كشاعر، إذ تتحول الفصول إلى لوحات لغوية مفعمة بالتأمل والرمز. يكتب عن الفقد لا كضعف، بل كـ”انكشاف الإنسان على هشاشته”، وعن النسيان كهدنة مع الألم لا كخلاص منه. ويصور غامبيا الأولى كجنة ضائعة، يلاحقها صدى الماء ورائحة الطين وأغاني الجدات التي لم تكتمل.
يقول فتح الله إن اختياره لفيليس ويتلي لم يكن صدفة، بل لأنها تمثل التناقض النقي بين ضعف الجسد وقوة الكلمة. فهي “قصيدة تمشي على رماد التاريخ”، تُسلب اسمها وحريتها لكنها تكتب شعراً يجعلها خالدة. ويرى الكاتب في شخصيتها مرآة للإنسان المعاصر الذي يبحث عن معنى لحريته داخل اللغة.
ويصف فتح الله الرواية بأنها تجربة ميلاد مؤلم، أشبه باعتراف طويل كتبه دون أقنعة، إذ امتزج فيها الشعر بالفكر، والسرد بالفلسفة، في لغة لا تعرف الحدود بين الأجناس الأدبية. فـ”اللغة”، كما يقول، “كائن حي يتشكل بانفعال الكاتب، وليست وسيلة نقل بل وسيلة خلاص”.
أما في رؤيته للواقع الثقافي، فيؤكد أن الاستعمار لم ينتهِ، بل تبدلت أدواته؛ فالغرب ما زال يكتب عن أفريقيا من الخارج، بوصفها “رمزاً للغرابة”، بينما يسعى هو إلى كتابة أفريقيا من داخلها، بأصوات أبنائها، بعيداً عن النظرة الاستشراقية.
ويختم فتح الله روايته على لسان فيليس التي تلخّص تجربتها قائلة:
“فهمت أن الكتابة ليست خلاصاً بل مقاومة، وأن الشعر لم يكن موهبة، بل جسراً عبره وصل صوتي إلى ذاته… أنا فيليس، ابنة غامبيا التي لم أعد إليها، وابنة العبيد الذين لم يُكتب لهم نسل.”
ماتت فيليس ويتلي في الحادية والثلاثين من عمرها، لكنها بقيت حيّة في ذاكرة الأدب كرمز للحرية والكلمة الخالدة، فيما منحها محمد فتح الله في “الريشة السوداء” حياة جديدة، رواية تتنفس الشعر وتكتب التاريخ من قلب الوجع الإنساني.