ثقافة

“الزِّرُّ والعُرْوَة”: رحلة قصصية بين السخرية والحنين والفلسفة

أصدر الأديب الأردني الدكتور راشد عيسى مجموعته القصصية الأحدث بعنوان “الزِّرُّ والعُرْوَة”، والتي تضم باقة غنية من القصص القصيرة والقصيرة جدًا، متباينة الأساليب والمواضيع، وتمتزج فيها السخرية الاجتماعية، والمفارقة، والحنين الوجداني، والخيال الرمزي، إلى جانب التأملات اللغوية والفلسفية.

تتضمن المجموعة 121 قصة، موزعة على 10 “فضاءات”، يضم كل فضاء مجموعة قصص مترابطة موضوعيًا ودلاليًا، وهي:

  • نزواتُ الروح وغزواتُ الجسد
  • ضِدّيات
  • أسئلة فاشلة لإجابات ناجحة
  • فانتازيا
  • لذائذ الحرمان
  • أكاذيب صادقة
  • تدوير اليأس
  • حبٌّ وحروب
  • حشرات محترمة
  • أخلاق نباتية

وتعكس عناوين هذه الفضاءات المفارقات الساخرة والمتضادة التي تُبرز الروح والجسد، النجاح والفشل، الحب والحروب، اللذائذ والحرمان، لتكون نقدًا ضمنيًا وجادًا في الوقت نفسه.

وجوه الحنين وقلوب العطاء

في قصة “الموناليزا”، يوظف الراوي رمز اللوحة الشهيرة لاستكشاف العلاقات الانفعالية والخيانة والحقيقة المخفية، حيث تصبح الابتسامة الخفية مرآة لضمائر الشخصيات وتوتراتهم الجنسية والاجتماعية، مؤسِّسًا لموضوع الجسد والوجه كآثار نفسية أكثر من كونه عملاً فنيًا.

أما قصة “دمعة أمي”، فتقدم نموذجًا للحب الحقيقي والحنين الطاهر، وتكشف هشاشة الذاكرة العاطفية حين تصطدم بالواقع المؤلم، مضيئة على أن أجمل الألحان قد تخفي وراءها أكثر القصص مرارة.

وفي قصة “صورة تذكارية”، يتحوّل غياب صورة الزوجة مع الزوج إلى فجوة عاطفية، بينما يظل الحب والذاكرة أقوى من التوثيق المادي، لتصبح الصورة في القلب أقوى من كاميرا تُسجّل اللحظة.

أما “قلب كبير”، فتجسد المفارقة بين التكبر والتواضع، حيث تمنح القلوب الكبيرة الفرصة للعطاء والتواضع والتغلب على الأنانية، في نص يمزج بين الحكمة الأخلاقية والمجاز الفني.

أطفال الرّماد وزيتون الأمل

تطرح قصة “الدّراجة الهوائية” الفقدان والأحلام المنهارة جراء الحرب، بينما تصوّر قصة “مدرسة” مأساة طفل ناجٍ من غارة جوية، يزرع غصن زيتون في حفرة تبللت بدمه، معلنًا أن الأمل أقوى من الدمار، وأن الحياة والمقاومة تنبتان حتى في أصعب الظروف.

بين البطولة والهشاشة الإنسانية

في قصة “عمّور”، يتجلى التوتر بين الغنى والفقر والحب المستحيل، بينما تقدم “لستُ قويًّا” نقدًا ساخرًا للقوة الزائفة والاستبداد الاجتماعي، من خلال رمزية المطرقة التي تبدو قوية لكنها تستمد قوتها من رضوخ الآخرين.

كما تكشف “مخالفة قانونية” عن التوتر بين الضمير الفردي والقوانين، وتبرز “البطل الهارب” صراع الإنسان الداخلي بين الخوف والرغبة في البطولة، متسائلة عن معنى البطولة الحقيقية.

الأمل المزيّف والوعي المغشوش

تستخدم قصة “زهرة تسونامي” المأساة العالمية لتجسيد الأمل والنهوض من الخراب، بينما تنتقد “البيقلا” ثقافة الوهم الجماهيري، و**”الكعب العالي”** يستعرض التناقض بين السلطة الشكلية والكرامة الفكرية.

لعبة القيم والقرارات

في قصة “اللعبة”، تتحول اللعبة إلى استعارة للحياة، لتوضح أهمية موازنة الاستراتيجية والحدس، بين الرغبة في الفوز والخوف من الخسارة، فيما توظف “غباء البراءة” و**”هل يرمي الكيس.. أم؟”** التأمل الفلسفي في الاختيار، المسؤولية، والقرارات المصيرية.

لغة الوجع وفلسفة الرضا

تقدم “الشامتون الثلاثة” و**”حرف الراء”** و**”ليتني حمار”** رؤى رمزية تعكس الصراع بين الفقر والوفاء، قوة اللغة وأثرها في حياتنا، وبين الرغبة في التحرر من القيود والالتزام بالمسؤولية الأخلاقية.

كما تعكس “أبناء الحاويات” و**”الحقيبة”** صراع الفقر والكرامة، وتبرز قدرة الإنسان على المقاومة والوقوف في وجه الظلم الاجتماعي، مقدمًا نقدًا اجتماعيًا وإنسانيًا عميقًا.

خلاصة

تجمع مجموعة “الزِّرُّ والعُرْوَة” بين التجريب والالتزام، وتمتزج فيها السخرية، الحس الإنساني الصادق، اللغة المكثفة، والرمزية العميقة. وتعيد الاعتبار للقصة القصيرة كأداة نقدية ومراية للمجتمع، بين الضحك والمرارة، بين الحلم واليأس.

يُذكر أن راشد عيسى شاعر وناقد وأكاديمي أردني من أصل فلسطيني، حاصل على الدكتوراه في فلسفة اللغة العربية وآدابها، وله عشرات الإصدارات في الشعر، الرواية، النقد، أدب الأطفال، والكتب المدرسية.

زر الذهاب إلى الأعلى