ثقافة

المعارضة الموريتانية: غياب غير مبرر، وصمت مريب!


في المشهد السياسي الموريتاني الراهن، يطل سؤال ملح من بين ثنايا الصمت: أين المعارضة؟
أين ذهبت تلك الأصوات التي كانت تملأ الساحات والمنابر بالشعارات والبيانات والمواقف؟
بل ما الذي جعلها اليوم تختفي وكأنها لم تكن يومًا تتصدر واجهة الأحداث وتُلهب الخطابات السياسية بنار النقد والمساءلة؟
لقد بدا أن الغياب غير المبرر للمعارضة لم يعد مجرد سحابة صيف عابرة، بل حالة مستقرة تثير الريبة والدهشة.
ففي الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمات اقتصادية خانقة، وتحديات اجتماعية متزايدة، كان يفترض أن تكون المعارضة في مقدمة الصفوف، تراقب، تنتقد، وتقترح البدائل.
لكن ما نراه هو صمت مريب يشبه الاتفاق غير المعلن على الغياب.
وهنا يطرح الشارع الموريتاني — وبجرأة مشروعة — تساؤلًا لا يمكن تجاهله:
هل دخل بعض قادة المعارضة في صفقة سياسية مع النظام، كان ثمنها هذا الصمت والغياب؟
أم أن المعارضة استُدرجت، طوعًا أو كرهًا، إلى مربع المهادنة مقابل مكاسب شخصية أو وعود سياسية؟
أسئلة تتناسل في فضاء عام عطِش للنقد والمساءلة، ولا تجد جوابًا شافيًا إلا في مواقف رمادية ومشاهد متكررة من التجاهل.
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه الديمقراطية هو أن تصمت المعارضة في لحظة تحتاج فيها الأمة إلى صوت الحق.
فالسلطة بلا معارضة كالمرآة بلا انعكاس، تفقد قدرتها على رؤية نفسها وتصحيح أخطائها.
وحين يتوارى صوت المعارض الحقيقي، تتكاثر الأصوات الشعبوية، وتملأ الفراغ خطابات الغوغاء بدل الكلمة المسؤولة.
لقد كانت المعارضة في موريتانيا، يومًا ما، تمثل نبض الشارع، وحلم الإصلاح، ومشعل الوعي.
أما اليوم، فقد تراجع الدور، وذابت الفوارق بين معارض وسلطوي، وتحوّل الصراع من أجل الوطن إلى تنافس على المواقع والمصالح.
ولعلّ أخطر ما في هذا التحول أنه يتم تحت شعار الواقعية السياسية، في حين أنه ليس إلا تسوية على حساب المبدأ.
إن الوطن بحاجة إلى معارضة حقيقية لا تُباع ولا تُشترى، معارضة تصون الميثاق الأخلاقي قبل الموقف السياسي، وتدافع عن الناس لا عن المقاعد.

فالأوطان لا تُبنى بصمت النخب، بل بصوت المخلصين الذين يرون في النقد واجبًا وفي الإصلاح رسالة.

الأستاذ: محمدمحمود العيل

زر الذهاب إلى الأعلى