رأي آخر

حين يجوع الحلم… وتغترب الكرامة

أيها الليل، تمهَّل قليلًا، ففي أحشائي جوعٌ لا ينام،
وفي قلبي صرخةٌ لا يسمعها أحد.
أأُدرسُ على معدةٍ خاوية؟
كيف أُقنع عقلي أن يفكر، وقلبي أن يطمئن، وجسدي أن يصبر على خُبز الوعود؟

لقد قيل إن الجوع يربِّي الشعراء، لكنه يقتل العلماء.
فالعقل لا يزهر إن ذبل الجسد، والفكر لا يبدع إن انطفأ وقوده.
وها أنا، طالبٌ غريبٌ، خرجتُ أطلب العلم كما يخرج الناس إلى الصلاة،
فإذا بي أجد نفسي أصلي للجوع خمس مراتٍ في اليوم.

كنت أظن الغربة طريقًا إلى المعرفة،
فصارت الغربة امتحانًا في الصبر،
وصار الصبر درسًا لا يُدرَّس في الجامعات.

يا منحةَ الوزارة، يا خبزَ الغائبين،
كنتِ وعدًا من نور، فإذا بكِ سرابٌ من أرقامٍ مؤجلة.
تأتين حين لا نحتاج، وتغيبين حين لا نجد ما نأكل.
شهورٌ تمرّ، والمنحة ساكنةٌ في دفاترهم،
كأنها لا تعلم أن وراء كل رقمٍ روحًا تنتظر، ومعدةً تصرخ، وكرامةً تستغيث.

الطلاب اليوم كالأقمار في آخر الشهر:
بعضهم تلاشى من الجوع، وبعضهم استدان ضوءه من الآخرين.
أحدهم ينام على سريره، يطارده صوت الإيجار من خلف الباب،
والآخر يستدين من أصدقائه، يخجل من نفسه،
يقول في سره: «اللهم لا تفضحني بين الناس، ولا تتركني للجوع مرتين».

والمسؤول في مكتبه يتصفّح الأوراق،
لا يعلم أن كل ورقةٍ تمهَّل في توقيعها،
هي وجبةٌ أُجِّلت، ودمعةٌ تأجّجت، وليلٌ باردٌ طال على مغتربٍ لا يجد ما يسخّن به صبره.

يا سادة، إن تأخير المنحة ليس خطأً إداريًا،
بل جريمةٌ تُرتكب ضد أحلامٍ لم تولد بعد.
فالجائع لا يقرأ، والموجوع لا يحلم،
ومن جاع فكره، مات وطنه في داخله.

ثم تأتي التذكرة…
ذلك الوعد الذي يشبه الأمل البعيد،
ينتظر الطالب عودته إلى حضن أمّه بعد عامين،
فإذا به يُخبر أن تذكرته ستُصرف حين يعود الفصل الدراسي الجديد،
كأنّ الوطن لم يعُد يستقبله إلا خطأً في المواعيد.

يا وزير التعليم،
نحن لسنا أرقامًا في كشفٍ شهري،
نحن أحلامٌ تمشي على أقدامٍ متعبة،
نحن أبناءُ الفقر، نحمل كتبنا كما يحمل الجندي بندقيته.
نحن لم نأتِ نطلب صدقة، بل جئنا نحمل راية العلم عن وطنٍ قد ينسى أبناءه.

أعيدوا لنا المنحة في وقتها،
فإن الجوع لا ينتظر ختمًا ولا توقيعًا،
والكرامة حين تجوع، لا تشبعها البيانات.

أيها المسؤولون…
لا تتركوا الجوع يعلّمنا ما عجز التعليم عن تعليمه،
ولا تجعلوا من الغربة درسًا في النسيان.

فكل طالبٍ جائعٍ هو صرخةٌ باسم الوطن،
وكل منحةٍ متأخرةٍ هي دمعةٌ في دفتر الكرامة.
وإن متنا صبرًا، فاعلموا أن موتنا لم يكن ضعفًا،
بل كان إكرامًا لكرامةٍ رفضت أن تمد يدها

سيدي حمادي آباتي

زر الذهاب إلى الأعلى