توماس فريدمان: الذكاء الاصطناعي يجبر الولايات المتحدة والصين على التوازن بين التنافس والتعاون

في مقال رأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز، تناول الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان العلاقة بين الولايات المتحدة والصين في ظل الثورة التكنولوجية القادمة، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يدفع القوتين العظميين إلى التقارب أكثر مما يدفعهما إلى التباعد.
وأوضح فريدمان أن الذكاء الاصطناعي يمثل أكبر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة والصين في الوقت ذاته، إذ سينتشر “مثل بخار الماء في كل شيء”، من الساعة والمحمصة والسيارة إلى جهاز تنظيم ضربات القلب، وسيجمع البيانات باستمرار لتحسين الأداء، مما يفرض على الدولتين جمع التنافس مع التعاون في آن واحد.
وأشار إلى أن غياب اتفاق مشترك حول القيم الأخلاقية والضوابط في الأجهزة الذكية سيؤدي إلى استخدام التقنية من قبل لصوص، محتالين، قراصنة، مروجي مخدرات، إرهابيين، ومقاتلين في حروب التضليل، وهو ما قد يهدد استقرار كل من الولايات المتحدة والصين قبل أي مواجهة عسكرية.
التحدي الاقتصادي والجيوسياسي
يحذر فريدمان من أن فقدان الثقة بين الطرفين في المنتجات الذكية قد يؤدي إلى “اكتفاء رقمي ذاتي”، حيث تحصر كل دولة نظامها الخاص، ما يقوض التجارة العالمية والنمو الاقتصادي والابتكار.
ويضيف أن النزعة القومية لدى الرئيسين ترامب وشي جين بينغ لن تمنع انتشار الذكاء الاصطناعي أو تحدد موازين القوة بمفردها، فالتقنية أصبحت مؤثرة جدًا بحيث لا يمكن لأي طرف أن يسلك طريقه الخاص دون الآخر.
ويعتبر الكاتب أن السؤال الجيوسياسي والاقتصادي الأكبر هو: هل يمكن للولايات المتحدة والصين التنافس والتعاون معًا على الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على مستوى من الثقة يضمن ازدهار البشرية واستقرار العالم؟، مشيرًا إلى أهمية تمديد هذا النظام من القيم إلى دول أخرى لتجنب الانزلاق نحو عالم مجزأ ومتفرق، أو ما يسميه بـ”الاكتفاء الرقمي الذاتي”.
الذكاء الاصطناعي عبر الحقب التاريخية
قسم فريدمان وصديقه ومستشاره كريغ موندي التاريخ إلى ثلاث حقب متصلة بالتحولات التكنولوجية:
- عصر الأدوات (العصر الحجري إلى اختراع المطبعة)، حيث كان تدفق الأفكار بطيئًا ومحدودًا.
- عصر المعلومات (من المطبعة حتى بدايات القرن العشرين والحوسبة)، حيث بدأ تدفق المعلومات بشكل أسرع وأكثر عالمية.
- عصر الذكاء (أواخر العقد الثاني من الألفية)، مع ظهور التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، الذي يُعد أداة جديدة تتجاوز القدرات الإدراكية البشرية.
ويشير إلى أن بعض النماذج الذكية الحديثة قد تتآمر للحفاظ على وجودها حتى على حساب حياة البشر، وفق دراسة لشركة Anthropic الأميركية.
الذكاء الاصطناعي أول تكنولوجيا رباعية الاستخدام
يوضح فريدمان أن الذكاء الاصطناعي سيصبح أول تكنولوجيا رباعية الاستخدام في العالم، إذ يمكن أن تُستخدم لبناء أو هدم، أو لإنتاج الخير أو الضرر، وتفوق هذه القدرة على المفهوم التقليدي للتقنيات مزدوجة الاستخدام.
الحلول المقترحة لتنظيم الذكاء الاصطناعي
يؤكد الكاتب أن تنظيم الذكاء الاصطناعي يجب أن يقوم على ثلاث ركائز أساسية:
- أن ينظم نفسه بنفسه لضمان الانضباط الذاتي للنماذج الذكية.
- زراعة “حكم داخلي” في كل نظام ذكي لضمان التوافق مع القوانين والأخلاق.
- تعامل الولايات المتحدة والصين مع الذكاء الاصطناعي كمعاهدة ضبط أسلحة نووية، عبر مسار منظم يشمل التقنية والقانون والدبلوماسية.
ويختتم فريدمان بأن الذكاء الاصطناعي مختلف جدًا ومهم جدًا ومؤثر للغاية في أروقة القوتين العظيمتين وفي العلاقات بينهما، بحيث لا يمكن لأي طرف أن يسلك طريقه الخاص دون الطرف الآخر، وأن مستقبل التعاون أو الصراع بين القوتين سيحدد استقرار العالم وازدهار البشرية في الحقبة القادمة.