عمان تستضيف اجتماعًا ثلاثيًا بين تركيا وسوريا والأردن لإحياء خط الحجاز الحديدي وتعزيز الربط التجاري الإقليمي

شهدت العاصمة الأردنية عمان نهاية الأسبوع الماضي اجتماعًا ثلاثيًا جمع مسؤولين من وزارات النقل في تركيا وسوريا والأردن، في خطوة تمهيدية لاجتماع وزاري مرتقب، يهدف إلى تعزيز التعاون في قطاع النقل وتسهيل حركة التجارة بين الدول الثلاث.
وانتهى الاجتماع بسلسلة توصيات استراتيجية، أبرزها السعي إلى إعادة تفعيل خط الحجاز الحديدي، أحد أهم خطوط النقل التاريخية في المنطقة.
خطة لإحياء خط الحجاز الحديدي
أوصى المشاركون بضرورة إعادة تأهيل خط الحجاز الحديدي من خلال دعم تركي لترميم الأجزاء المتضررة داخل الأراضي السورية، في حين سيتولى الأردن مسؤولية صيانة القاطرات السورية. كما تم الاتفاق على إجراء دراسات فنية متخصصة لإنشاء شبكة سكك حديدية حديثة وفق المعايير العالمية، تربط تركيا وسوريا والأردن بشبكات التجارة الدولية، بما يسهم في تطوير منظومة النقل الإقليمي.
تأكيد تركي على الجدية والدعم المالي
وجاء الاجتماع في ظل تحركات تركية جادة على الأرض، حيث صرّح وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو خلال حفل وضع حجر الأساس لمشروع السكك الحديدية قارص – إغدير – أراليك – ديليوجو، بأن بلاده نفذت مشاريع نقل وسكك حديدية داخل سوريا، وتعمل حاليًا على تأمين تمويل بقيمة 120 مليون دولار لإعادة تأهيل خط السكك الحديدية بين غازي عنتاب وحلب.
وأكد الوزير أن الأضرار التي لحقت بخط الحجاز أقل حجمًا، وأن أعمال ترميمه ستتم بتمويل تركي مباشر، في إطار دعم بلاده للبنية التحتية السورية.
وفي لقاء سابق جرى في محطة الحجاز بدمشق خلال شهر أبريل الماضي، شدد الوزير التركي على أن أولوية الدعم للجانب السوري ستكون لقطاع السكك الحديدية، مع التركيز على إعادة تشغيل الخط الرابط بين محطة الراعي (تشوبان باي) شمالًا ومدينة حلب.
وقد شهد شهر أغسطس الماضي عودة حركة القطارات بين حلب وحماة بعد توقف دام 13 عامًا، ما يعد مؤشرًا إيجابيًا على إمكانية استعادة هذا الخط الحيوي دوره التاريخي.
الخط الحجازي.. إرث تاريخي ودور اقتصادي
رغم مرور أكثر من قرن على إنشائه، لا يزال خط الحجاز الحديدي يُعد أحد أبرز المشاريع الهندسية العثمانية، حيث أنشئ لربط إسطنبول بالأراضي العربية جنوبًا، وتسهيل رحلات الحج والتجارة.
ويمتد الخط لمسافة تتراوح بين 1320 و1464 كيلومترًا، ويضم نحو 40 محطة رئيسية عبر أكثر من 50 مدينة، مرورًا بتركيا وسوريا والأردن وصولًا إلى الحجاز.
وفي الأردن، تواصل مؤسسة الخط الحديدي الحجازي الإشراف على تشغيل الجزء المتبقي من الخط باعتباره إرثًا حضاريًا واقتصاديًا.
ويقسم الخط إلى قسمين:
- القسم الشمالي: يُستخدم في الرحلات السياحية والتعليمية والعائلية.
- القسم الجنوبي: يُعد شريانًا لوجستيًا مهمًا لنقل الفوسفات من مناطق الإنتاج في الشيدية ومعان إلى ميناء العقبة، وهو نشاط صناعي مستمر منذ عام 1974.
أما في سوريا، فقد توقف العمل بالخط عام 2011 بعد تدمير أجزاء واسعة منه ونهب معداته، حيث بلغت نسبة الأضرار نحو 40% وفق تصريحات مدير مؤسسة الخط الحجازي السوري محمد العجمي.
أبعاد اقتصادية وإستراتيجية للمشروع
إحياء خط الحجاز الحديدي لا يقتصر على البعد التاريخي، بل يحمل دوافع اقتصادية وإستراتيجية كبيرة.
فالمشروع من شأنه أن يعزز الترابط التجاري بين تركيا والدول العربية، ويُسهم في تسريع عملية إعادة الإعمار في سوريا، التي تُقدّر تكلفتها بنحو 400 مليار دولار وفق تقديرات الأمم المتحدة.
كما يشكل فرصة لتركيا لتوسيع حضور شركاتها في مشاريع البنية التحتية والمقاولات، حيث تمتلك خبرة واسعة في بناء المطارات والموانئ وخطوط النقل.
وتضم تركيا 45 شركة في قائمة مجلة “ENR” لأفضل 250 شركة مقاولات عالمية، لتحتل المرتبة الثانية بعد الصين.
وقد بلغت قيمة المشاريع التي نفذتها الشركات التركية عالميًا عام 2023 نحو 21 مليار دولار، فيما تجاوزت 6 مليارات دولار خلال النصف الأول من عام 2024، ووصل إجمالي مشاريعها في الشرق الأوسط منذ عام 1972 إلى 138.5 مليار دولار.
وتُظهر بيانات وزارة التجارة التركية حجم التعاون الكبير مع الدول العربية:
- العراق: 36.6 مليار دولار
- السعودية: 33.4 مليار دولار
- ليبيا: 31.4 مليار دولار
- الجزائر: 23.2 مليار دولار
نظرة تركية نحو الجنوب
ترى أنقرة في الربط السككي مع سوريا والأردن خطوة تمهيدية لتوسيع التبادل التجاري مع دول الخليج، خصوصًا في ظل التفاؤل بقرب توقيع اتفاقية تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول الخليج خلال عام 2024 نحو 27.7 مليار دولار.
وبذلك، يبدو أن مشروع إحياء خط الحجاز الحديدي يتجاوز كونه مبادرة نقل تقليدية، ليصبح جسرًا اقتصاديًا واستراتيجيًا يربط بين آسيا وأوروبا والعالم العربي، وركيزة أساسية في جهود تركيا وسوريا والأردن لإعادة تشكيل منظومة النقل والتجارة الإقليمية.