باكستان وقوتها العسكرية: نظرة شاملة على التكوين والتسليح والرهانات الاستراتيجية

تُصنّف القوات المسلحة الباكستانية حالياً ضمن أقوى الجيوش العالمية (المرتبة 12 لعام 2025)، وهي واحدة من تسع دول تملك سلاحاً نووياً، وتعد الجيش الإسلامي الوحيد صاحب هذه الخاصية. تستند قوة باكستان العسكرية إلى مزيج من ترسانتها البرية والجوية والبحرية، وعلاقاتها الاستراتيجية مع دول مثل الصين وتركيا والسعودية، إلى جانب شركاء دوليين آخرين أسهموا في تمويل وتطوير قدراتها الدفاعية وتعزيز قدرتها الردعية.
النشأة والبنية الإدارية
تأسس الجيش الباكستاني بعد انفصال بلادها عن الهند عام 1947. ورغم أن الحكومة تُشرف على إدارته وتخصّص له موازنة سنوية، فإن للجيش مصادر تمويل إضافية عبر استثمارات ومشاريع اقتصادية وتجارية تمنحه درجة من الاستقلالية المالية. منذ نشأة الدولة، لعب الضباط العسكريون دوراً مركزياً في المشهد السياسي، بحيث يُنظر إلى قائد الجيش غالباً على أنه شخصية مؤثرة للغاية في موازنات السلطة العمومية.
لقد عززت الروابط الوثيقة مع الصين من إمكانيات باكستان العسكرية؛ فالتوترات الإقليمية، لا سيما بين الهند والصين، ساهمت في تقارب استراتيجي بين إسلام أباد وبكين، حيث توفر الصين نسبة كبيرة من واردات السلاح لباكستان.
صورة أرشيفية: رئيس أركان الجيش الباكستاني عاصم منير أثناء زيارته ميدان رماية “تيلا” (1 مايو 2025، رويترز).
الميزانية العسكرية
بلغت ميزانية الدفاع الباكستانية للسنة المالية 2024–2025 نحو 7 مليارات دولار أميركي. ومع تجدد التوترات مع الهند في مايو/أيار 2025، قررت حكومة رئيس الوزراء شهباز شريف زيادة الإنفاق العسكري للعام المالي 2025–2026 بنحو 20% ليصل الإجمالي إلى ما يقرب من 9 مليارات دولار.
القوة البشرية
من إجمالي سكان باكستان الذي يقارب 252 مليون نسمة، يخدم في القوات المسلحة نحو 660 ألف جندي، فيما يتوافر حوالي 550 ألفاً في قوات الاحتياط. وتبرز ضمن تشكيلات الجيش وحدات قوات خاصة معروفة بقدرات عالية على تنفيذ مهام حساسة، ويُشار إليها محلياً أحياناً بأسماء تبرز تميزها وكفاءتها في ميادين العمليات.
السلاح البري
تتفوق باكستان على مستوى القوة البرية، إذ تحتل المرتبة السابعة بين 145 دولة في مقياس حجم أسطول الدبابات (2025)، بامتلاكها أكثر من 2,600 دبابة، إلى جانب نحو 18,000 مركبة مدرعة، وقرابة 2,600 مدفع مقطور، بالإضافة إلى 662 مدفعاً ذاتي الحركة و600 راجمة صواريخ. تساهم الصناعات المحلية، مثل مشروع تطوير دبابة «الخالد»، في تعاضد القدرات الميدانية مع تزويد المعدات الصينية، وعلى رأسها دبابة «4 في تي»، التي تشكل دعامة أساسية في الترسانة البرية.
السلاح الجوي
يصنّف سلاح الجو الباكستاني ضمن أفضل القوى الجوية عالمياً (المركز السابع بحسب تقارير 2025)، ويضم نحو 1,400 طائرة بمختلف المهام، من بينها 328 مقاتلة وأكثر من 370 مروحـية عسكرية وحوالي 30 طائرة مسيّرة. يشتمل الأسطول على طائرات أمريكية (مثل «إف-16 فالكون») وصينية (مثل «جي إف-17») وفرنسية («ميراج 3» و«ميراج 5»)؛ وتُعزّز إجراءات مثل التزود بالوقود جواً من قدرة الطائرات على أداء مهام استراتيجية لمسافات أطول.
السلاح البحري
تتصف البحرية الباكستانية بصغر الحجم نسبياً مقارنةً بباقي أفرع الجيش، إذ تضم نحو 121 قطعة بحرية وتحتل المرتبة 27 عالمياً. تملك البحرية 9 بارجات مزودة بصواريخ موجهة وثماني غواصات، لكنها تفتقد إلى حاملات طائرات أو مدمرات بعيدة المدى، ما يحد من إمكانياتها في العمليات البحرية الواسعة.
السلاح النووي
أجرت باكستان أولى تجاربها النووية في مايو/أيار 1998 (ست تفجيرات)؛ ومنذ ذلك الحين أصبحت دولة نووية رسمياً. تُقدّر الترسانة النووية في عام 2025 بنحو 170 رأساً نووياً مع توقعات بزيادتها مستقبلاً. تخزن هذه الأسلحة في مواقع سرية وتحت حماية مشددة داخل إقليم البنجاب. وتعمل باكستان على تطوير «الثالوث النووي» (منصات جوية وبحرية وبرية) لضمان قدرة الردع عبر منصات متعددة.
تتبنى باكستان عقيدة اعتُبرت أكثر انفتاحاً على الاستخدام المبكر مقارنةً بجيرانها؛ إذ تُصنّف سياسات الردع لديها على أساس إمكانيّة اللجوء إلى السلاح النووي في مواجهة تهديد «وجودي»، بما قد يشمل غزواً تقليدياً واسع النطاق.
الترسانة الصاروخية
تُعد منظومة الصواريخ أحد أعمدة القوة الباكستانية، وتحتوي على مزيج من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى وصواريخ كروز محلية التصميم. من أبرز عناصرها:
- صاروخ “أبابيل” (كشف عنه 2017): يعمل بالوقود الصلب ومداه نحو 2,200 كم، وقابل لحمل رؤوس تقليدية أو نووية، مع قدرة على الإطلاق من منصات برية.
- شاهين-3: صاروخ باليستي بمدى يصل إلى نحو 2,750 كم، قابل لحمل رؤوس تقليدية أو نووية.
- سلسلة حتف-4: صواريخ مصممة لحمل رؤوس نووية ذات قوة تفجيرية كبيرة، يُشار إلى إمكانيتها الحركية والقدرة التدميرية العالية.
- سلسلة بابور: صواريخ كروز برية وبحرية محلية الصنع بمدى يقارب 700 كم، قادرة على حمل رؤوس تقليدية أو نووية خفيفة.
تُعد هذه الترسانة مدعومة بتعاون تقني وفني مع دول مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران، وتغطي مداها أجزاء واسعة من شبه القارة الهندية ومنطقة آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
خاتمة
تتسم القوة العسكرية الباكستانية بتوازن بين القدرات التقليدية والردعية النووية، مدعومة بعلاقات استراتيجية وإمدادات خارجية وتطوير محلي مستمر. ومع تصاعد المخاطر الإقليمية والدولية، تركز إسلام أباد على توسيع موازناتها وتعزيز جاهزية قواتها عبر تحديث الترسانات والتعاون الدولي، ما يجعلها فاعلاً إقليمياً مؤثراً في ميزان القوى بآسيا الجنوبية.