اقتصاد

الذهب: قيمة دائمة وتحولات السوق حتى عام 2030

يحتل الذهب مكانة مميزة في النظام المالي العالمي، فهو ليس مجرد سلعة، بل يُعد أصلًا نقديًا يحمل قيمة دائمة، نابعة من ندرته، وخصائصه المادية، وأهميته التاريخية. وعلى عكس العملات الورقية التي يمكن طباعتها بحرية، فإن محدودية عرض الذهب تُشكّل قيودًا طبيعية جعلته أصلًا موثوقًا به على مر السنين.

ويتعامل الاقتصاد العالمي مع الذهب بشكل مختلف عن باقي السلع، فالإنتاج السنوي من التعدين يضيف ما يقارب 1.5-2% فقط إلى المخزونات الحالية، مما يعزز مكانته كمورد نادر. ويتناقض هذا النمو المحدود في العرض بشكل حاد مع توسع المعروض النقدي في الاقتصادات الكبرى، ما يجعل الذهب وسيلة تحوط رئيسة ضد انخفاض قيمة العملات.

كما يُعد الذهب وسيلة جذابة لتنويع المحافظ الاستثمارية، إذ تزيد ندرته النسبية من قيمته على المدى الطويل، ويتيح حجم سوقه الكبير الاستثمار لمختلف الفئات، من الأفراد إلى المؤسسات والبنوك المركزية، وفقًا لمجلس الذهب العالمي.

القيمة السوقية والاحتياطيات التاريخية

يعود تاريخ تعدين الذهب إلى الحضارات القديمة، وقد أشار مجلس الذهب العالمي إلى أنه تم استخراج نحو 216,265 طن من الذهب عبر التاريخ، ويُستخرج ثلثا هذا الذهب منذ عام 1950 نتيجة التطورات التكنولوجية في التعدين واكتشاف رواسب جديدة.

وتبلغ القيمة السوقية الحالية للذهب حوالي 23.611 تريليون دولار وفق منصة “كومبانيز ماركت كاب”، مع تقدير احتياطيات الذهب السطحية بنحو 208,874 طن. وتجدر الإشارة إلى أن تقديرات الاحتياطيات تختلف من مصدر لآخر بما يصل إلى 20%، ما يجعل نطاق القيمة السوقية للذهب يتراوح بين 18.396 و27.595 تريليون دولار.

الطلب العالمي على الذهب

شهد الطلب العالمي على الذهب في الربع الثاني من 2025 زيادة بنسبة 3% على أساس سنوي ليصل إلى 1249 طنًا، مدفوعًا بالاستثمار الكبير في صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب وارتفاع مشتريات السبائك والعملات.

وفي المقابل، انخفض استهلاك المجوهرات نتيجة ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية. وساهمت مشتريات البنوك المركزية، التي تجاوزت ألف طن للعام الثالث على التوالي، إلى جانب عودة استثمارات صناديق الاستثمار الغربية، في رفع الطلب على الذهب في عام 2024 إلى مستوى قياسي بلغ 4974 طنًا بقيمة 382 مليار دولار، ما دفع الأسعار إلى مستويات قياسية عدة.

تقلبات تاريخية لأسعار الذهب

يمكن للتحليل التاريخي أن يساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات مدروسة، إذ توضح أسعار الذهب خلال العقود الماضية ارتباطها بالأحداث الاقتصادية والجيوسياسية:

  • 1971-1980: انهيار نظام بريتون وودز وذروة الركود التضخمي في الولايات المتحدة، ما رفع السعر إلى 665 دولارًا للأونصة في يناير 1980.
  • 1999: انخفاض السعر إلى نحو 253 دولارًا بسبب قوة الدولار والاقتصاد الأميركي وفائض المعروض من البنوك المركزية.
  • 2008-2010: ارتفاع السعر من 730 دولارًا إلى 1300 دولار مع الركود الكبير وهروب المستثمرين إلى الذهب.
  • 2010-2012: أزمة الديون الأوروبية وارتفاع الذهب إلى 1825 دولارًا في أغسطس 2011.
  • 2013-2014: سياسة التيسير الكمي الأميركية وخفض السعر من 1695 إلى 1200 دولار.
  • 2020-2021: جائحة كورونا دفعت السعر من 1575 دولارًا إلى أكثر من 2000 دولار صيف 2020.
  • 2023-2024: تداول الذهب بين 1700-2265 دولارًا، مع صعود القياسي مدفوعًا بالطلب الصيني ومخاوف التضخم.
  • 2025: تجاوز سعر الأونصة 3500 دولار لأول مرة نتيجة سياسات التعريفات الجمركية الأميركية والتوترات الجيوسياسية.

توقعات أسعار الذهب حتى عام 2030

يتأثر سوق الذهب بعوامل اقتصادية وجيوسياسية عديدة، ويظل أحد أهم أدوات التحوط للمستثمرين. أبرز التوقعات العالمية:

  • بنك آر بي سي كابيتال ماركتس: وصول السعر إلى 3722 دولارًا للأونصة في الربع الرابع من 2025، وقد يصل إلى 3813 دولارًا بنهاية 2026.
  • غولدمان ساكس: توقع 3700 دولار للأونصة بنهاية 2025، مع احتمال الوصول إلى 3880 دولارًا في حال ركود اقتصادي.
  • تشالر موريس (خبير اقتصادي): يصل السعر إلى 7370 دولارًا بحلول 2030، استنادًا إلى متوسط تضخم سنوي 4%.
  • لايت فاينانس: يتوقع أن يتراوح السعر بين 4812 و6546 دولارًا بين 2027 و2030.
  • تقرير “في الذهب نثق 2025”: توقع وصول السعر إلى 8900 دولار بحلول عام 2030 اعتمادًا على التضخم والسياسات النقدية.

العوامل المؤثرة في أسعار الذهب

  1. السياسات النقدية: تخفيض أسعار الفائدة يعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن.
  2. التضخم العالمي: ارتفاعه يدفع المستثمرين نحو الأصول التي تحافظ على القيمة.
  3. طلب البنوك المركزية: زيادة الاحتياطيات تعزز الطلب على الذهب.
  4. التوترات الجيوسياسية: النزاعات والحروب التجارية تزيد من قيمة الذهب كأداة تحوط.

خلاصة
على الرغم من التوقعات الإيجابية، تبقى أسواق الذهب متقلبة، وقد تؤثر عوامل غير متوقعة على الأسعار. لذلك، من الضروري متابعة التطورات الاقتصادية والجيوسياسية بشكل مستمر لاتخاذ قرارات استثمارية واعية.

زر الذهاب إلى الأعلى