اقتصاد

سياسة الرسوم الجمركية في ولاية ترامب الثانية: نفوذ أميركي أم رهانات تكتيكية للشركاء؟

على مدار نحو سبعة أشهر منذ بداية ولاية ترامب الثانية مطلع 2025، شكلت قضية الرسوم الجمركية وفرض معدلات جديدة على شركاء أميركا التجاريين واحدة من أبرز القضايا المثيرة للجدل في الاقتصاد العالمي.

رغم التحذيرات المستمرة من “خطر الحماية التجارية” وضرورة إيجاد “نظام اقتصادي عالمي جديد”، مضى ترامب في تنفيذ سياساته دون تراجع، ما دفع بعض المراقبين للتشكيك في قدرة المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية على مواجهة هذه السياسات أو إلزام الولايات المتحدة بالاتفاقيات المعمول بها.

استراتيجيات ترامب في المفاوضات

خلال الأشهر الماضية، أنهت إدارة ترامب الوصول إلى اتفاقات ثنائية مع الاتحاد الأوروبي واليابان، بالإضافة إلى اتفاقات تمهيدية مع الصين، مع استمرار المفاوضات مع الهند والمكسيك وكندا. وقد أثارت هذه التطورات تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاتفاقات تعكس قوة نفوذ أميركا المستمرة، أو أنها مجرد خطوة تكتيكية من الشركاء لتقليل الخسائر خلال فترة ترامب، على أن يعاد النظر في هذه الاتفاقيات لاحقًا مع إدارة أميركية جديدة.

حزمة الاتفاقات الأخيرة

أظهرت نتائج المفاوضات أن الولايات المتحدة نجحت في الحصول على امتيازات واسعة، تتجاوز قضية الرسوم الجمركية بحد ذاتها:

  • الاتحاد الأوروبي: التزام بشراء مواد طاقة من أميركا بقيمة 750 مليار دولار، إضافة إلى ضخ 600 مليار دولار في الاستثمارات وفتح أسواق بروكسل للمنتجات الأميركية بلا جمارك.
  • اليابان: قبول جمارك تصل إلى 15% مع تقديم حزمة استثمارية بقيمة 550 مليار دولار في شكل قروض وضمانات حكومية.
  • بريطانيا: تخفيض الرسوم الجمركية على صادرات بريطانيا لأميركا لضمان استقرار سلاسل التوريد للصناعة الأميركية.
  • بنغلاديش: شراء 25 طائرة بوينغ مقابل تخفيض الجمارك على صادراتها إلى السوق الأميركية.

مظاهر النفوذ الأميركي

تصرف ترامب بشكل منفرد، متجاوزًا منظمة التجارة العالمية، وهو ما يضع علامات استفهام حول قدرة المنظمة على فرض التزاماتها. كما اتسمت المفاوضات بالأسلوب الثنائي، حيث تحددت محاورها وشروطها من قبل واشنطن، واضطر الشركاء إلى تقديم تنازلات أو استثمارات بديلة لتخفيف حدة الرسوم الجمركية.

وقد أعلن ترامب أن عوائد الرسوم الجمركية خلال الفترة من أكتوبر 2024 إلى يونيو 2025 بلغت نحو 113 مليار دولار، مع توقعات بوصولها إلى 300 مليار دولار بنهاية 2025، وفق تصريح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت.

أداء التجارة الأميركية

تشير البيانات الرسمية إلى أن إجمالي التجارة السلعية الأميركية في مايو 2025 بلغ 459.5 مليار دولار، مع عجز تجاري بقيمة 93.5 مليار دولار. أما أهم الشركاء الـ15 لأميركا، فقد بلغت قيمة تبادلهم التجاري 337.8 مليار دولار، مع فائض لصالحهم قدره 87 مليار دولار، أي ما يمثل 73.5% من إجمالي تجارة أميركا الخارجية.

تفصيلًا لبعض الدول:

  • المكسيك: أكبر تبادل تجاري مع أميركا بـ359.5 مليار دولار، وفائض 79.4 مليار دولار.
  • كندا: 311.4 مليار دولار، وفائض 25.6 مليار دولار.
  • الصين: 195 مليار دولار، وفائض 101.9 مليار دولار، الأكبر بين الشركاء الرئيسيين.
  • اليابان: 96.5 مليار دولار، وفائض 29.2 مليار دولار.
  • بريطانيا: 69.2 مليار دولار، وفائض 12.7 مليار دولار.

رهانات الشركاء التجاريين

التاريخ الاقتصادي يشير إلى أن سياسات ترامب في ولايته الأولى (2017–2020) كانت قابلة لإعادة النظر من إدارة لاحقة، كما حدث مع بايدن. ولذلك، يراه بعض المراقبين مجرد فترة استثنائية، قد تُعدل فيها الاتفاقيات بعد انتهاء ولاية ترامب، خاصة وأن بعض الالتزامات الاستثمارية كبيرة جدًا.

كما أن استمرار معدلات التضخم عند 2.7% يفرض على ترامب ضغوطًا داخلية لتنفيذ سياسات الإحلال محل الواردات، وإلا سيخسر ثقة الناخب الأميركي.

لكن في المقابل، لم يجتمع الشركاء المتضررون على استراتيجيات جماعية لمواجهة ترامب، ما يقلل احتمالات ولادة “نظام اقتصادي عالمي جديد” كرد فعل مباشر على سياساته، على الأقل في هذه المرحلة.

زر الذهاب إلى الأعلى