هل الإيصالات الورقية تهدد الصحة الإنجابية؟ تحذيرات متزايدة والحقائق العلمية بين القلق والتطمين

أثارت تحذيرات متداولة على منصات التواصل الاجتماعي مخاوف من تأثير المواد الكيميائية المستخدمة في طباعة الإيصالات الورقية على الصحة الإنجابية للرجال والنساء. لكن ما مدى صحة هذه المخاوف؟ وهل يجب القلق فعلاً من مجرد لمس ورقة إيصال؟
ما المواد الكيميائية المستخدمة؟
تُطبع معظم الإيصالات على ورق حراري يحتوي على مواد كيميائية تُمكّنه من إنتاج نصوص مطبوعة عند تعرضه للحرارة، ومن أبرز هذه المواد “بيسفينول إيه” (Bisphenol A)، التي ثبت أنها تُمتص عبر الجلد، وتُحاكي تأثير هرمون الإستروجين في الجسم، ما قد يؤدي إلى اضطرابات هرمونية، ومشكلات في الخصوبة، وزيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة كداء السكري ومقاومة الإنسولين وأنواع معينة من السرطان.
ومع تزايد التحذيرات من هذه المادة، تم خلال العقد الماضي استبدال “بيسفينول إيه” تدريجيًا بمادة بديلة تُعرف بـ”بيسفينول إس” (Bisphenol S)، إلا أن الشكوك حول أمانها لا تزال قائمة.
هل البديل أكثر أمانًا؟
بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، يؤكد العديد من الخبراء أن القلق من هذه المواد الكيميائية ليس بلا أساس، رغم أن تأثيرها يعتمد على عوامل عدة، منها مدة التعرض وتكراره.
الدكتورة نانسي هوبف، خبيرة السموم الصناعية في جامعة لوزان السويسرية، أوضحت أن البيانات المتوفرة حول “بيسفينول إس” لا تزال محدودة، ما يترك علامات استفهام كبيرة حول مدى أمانها وتأثيرها طويل المدى.
وتشير الدراسات إلى أن هذه المادة قد تكون مشابهة في تأثيرها لمادة “بيسفينول إيه”. فقد وجدت دراسة أجريت على فئران حوامل أن الإناث المعرضات لمستويات معتادة من “بيسفينول إس” واجهن صعوبة في الحمل، وأنجبن عدداً أقل من الفئران مقارنة بالمجموعة غير المعرضة.
دراسات بشرية مثيرة للقلق
وفي دراسة واسعة أُجريت عام 2019 على 1841 امرأة حامل في الصين، تبين أن النساء اللاتي امتلكن مستويات مرتفعة من “بيسفينول إس” في البول كن أكثر عرضة للإصابة بسكري الحمل بنسبة 68% مقارنة بمن كانت مستوياتهن أقل.
كما ربطت أبحاث أخرى بين التعرض لهذه المادة وزيادة مخاطر السمنة ومقاومة الإنسولين ومشكلات في الأوعية الدموية، خصوصًا لدى الأطفال.
هل نبالغ في القلق؟
رغم ما سبق، يوضح العلماء أن القلق من لمس الإيصالات الورقية لا يجب أن يتحول إلى ذعر. فامتصاص المواد مثل “بيسفينول إيه” و”بيسفينول إس” لا يحدث بشكل فوري، إذ يستغرق الجسم نحو ساعتين لبدء امتصاص هذه المركبات عبر الجلد. لذلك فإن مجرد إمساك الإيصال لبضع ثوانٍ أو حتى دقائق لا يمثل خطرًا حقيقيًا.
إلا أن الخبراء يوصون باتباع إجراءات وقائية بسيطة، خاصة لأولئك الذين يتعاملون بشكل متكرر مع هذه الإيصالات، مثل العاملين في المتاجر. ومن بين هذه الإجراءات:
- ارتداء قفازات أثناء التعامل المستمر مع الإيصالات.
- غسل اليدين جيدًا بعد ملامستها، مع تجنب استخدام معقمات اليدين التي قد تعزز امتصاص المواد الكيميائية.
- الإمساك بالإيصالات من الأطراف فقط، وتفادي وضعها في الجيوب أو المحافظ أو الأماكن التي قد يصل إليها الأطفال.
- التخلص منها فورًا وعدم تركها مكشوفة أو على الأسطح.
ما النتيجة؟
رغم أن الدلائل على المخاطر الصحية المرتبطة بالإيصالات الورقية ليست قاطعة، فإن الأدلة المتزايدة توصي بالحذر، خاصة في ظل غموض التأثير طويل الأمد للمواد البديلة مثل “بيسفينول إس”.
وكما قال الدكتور جوناثان مارتن، أستاذ السموم في جامعة ستوكهولم:
“رغم صعوبة إثبات وجود علاقة مباشرة، إلا أن تراكم الأدلة كافٍ لتوصية عامة بتقليل التعرض لهذه المواد كلما أمكن.”
باختصار، لا داعي للقلق المفرط، لكن من الحكمة توخي الحذر.