هل تُبنى الديمقراطية دون طبقة وسطى؟

حمادي سيدي محمد آباتي
عندما نعيد النظر في الديمقراطية بصفتها آلية حكم، فإننا غالبًا ما ننسى أنها ليست مجرد صناديق اقتراع أو تعددية حزبية، بل هي قبل كل شيء تعبير عن توازن اجتماعي ونتيجة لتحولات تاريخية عميقة، كما حدث في أوروبا إبان الثورة الصناعية وصعود الطبقة الوسطى.
يرى ألكسي0س دو توكفيل أن ازدهار الديمقراطية مشروط بوجود طبقة وسطى تحمل وعيًا سياسيًا، وتشارك في الفضاء العمومي من موقع الاستقلال عن السلطة والثروة معًا. أما جان جاك روسو فقد أسس لفكرة “العقد الاجتماعي” بوصفه اتفاقًا بين أناس أحرار، متساوين نسبيًا، يتنازلون عن جزء من حرياتهم لصالح مصلحة عامة.
لكن، هل تنطبق هذه الشروط على مجتمعات مثل موريتانيا؟
بلد يعاني من استقطاب طبقي حاد: أقلية تملك الثروة والسلطة، وغالبية غارقة في الفقر والجهل الممنهج. هنا، لا توجد طبقة وسطى بالمعنى الحقيقي، بل شريحة مهزوزة إما تنتظر فرص الهجرة أو تتكسب من الولاءات السياسية. وقد عبّر بيير بورديو عن هذا النوع من المجتمعات حين حذّر من “العنف الرمزي”، حيث يُعاد إنتاج السيطرة تحت شعارات براقة، بينما تُفرّغ المؤسسات من معناها.
في هذا السياق، تبدو الديمقراطية عندنا مجرد واجهة: أحزاب لا تمثل قواعد شعبية فعلية، ونخب تتصارع على الغنائم بدل البرامج، وشعب أُفقر عمدًا لتُجهض مشاركته.
المفارقة أن التوريث – في السياسة، في الجيش، في الزعامة الدينية – بات قاعدة غير معلنة. الوزير ابن الوزير، والضابط ابن الضابط، والشيخ ابن شيخ الطريقة، حتى لو لم يعرف من الدين غير اسمه. وهو ما يُفرغ مفاهيم “التمثيل” و”الاختيار” و”المساءلة” من أي مضمون ديمقراطي.
من هنا، يبدو من المشروع التساؤل:
هل يمكن تصور ديمقراطية دون طبقة وسطى؟
وهل الديمقراطية في بلداننا هي نظام سياسي حقيقي أم مجرد قناع ناعم للاستبداد؟
لقد نبّه فرانز فانون في كتابه “معذبو الأرض” إلى أن أخطر ما يفعله الاستعمار هو ترك خلفاء يلبسون أقنعة الحداثة وهم يعيدون إنتاج أدوات السيطرة باسم الشعب. وهذا ما نعيشه اليوم في نماذج ديمقراطية هجينة لا تؤدي إلا إلى إدامة التخلف.
الديمقراطية ليست لافتة تُرفع، بل هي منظومة لا تزدهر إلا بوجود تعليم عادل، طبقة وسطى مستقلة، ومواطن يمتلك وعيًا ومسؤولية. ودون ذلك، فنحن أمام ديمقراطية بدون ديمقراطيين، وصناديق انتخاب بلا محتوى.