مقابلات

تفكيك قبضة اللوبيات: السبيل إلى تحرير إرادة الدولة

من أكبر المعضلات التي تواجه بعض الدول الإفريقية والعربية، استمرار تحكم لوبيات مفسدة في مفاصل القرار، رغم مرور عقود على الاستقلال الشكلي. وهي لوبيات غالبًا ما نشأت من تحالف غير مقدس بين بقايا المستعمر من جهة، ونخبة عسكرية محلية وصلت للسلطة عبر الانقلابات لا عبر صناديق الاقتراع، من جهة أخرى.

هذه اللوبيات لا تظهر بالضرورة في صورة واحدة، بل تتشكل كشبكة متشابكة من المصالح، تضم ضباطًا سابقين، وبيروقراطيين موروثين، ورجال أعمال، وأذرعًا إعلامية وثقافية تُجمّل المشهد وتبرر الواقع القائم.

الانقلاب العسكري: حين يتحول التحرير إلى إعادة استعمار

في عدد من الدول، جاء العسكر إلى السلطة رافعًا شعار التحرير من الاستعمار أو الإنقاذ من الفوضى، لكنه ما لبث أن دخل في مساومات مع نفس القوى التي ادّعى الخلاص منها. لقد أصبحت السلطة في يد فئة لا شرعية لها شعبياً، ولكنها تستند إلى:

دعم خارجي لا يريد تحررًا حقيقًا.

بيروقراطية مدربة على خدمة المستعمر.

أدوات قمع تضمن إسكات كل صوت معارض.

دروس من التاريخ القريب

في غانا، حاول كوامي نكروما التحرر من التبعية الاقتصادية والثقافية، فواجه انقلابًا عسكريًا أطاح به سنة 1966، بتواطؤ داخلي وخارجي.

في بوركينا فاسو، قاد توماس سانكارا واحدة من أكثر التجارب صدقًا في مقاومة اللوبيات ومراكز الفساد، لكنه اغتيل على يد أقرب حلفائه، بعد أن ضاق الحلف القديم ذرعًا بمشروعه التغييري.

في مصر، رغم شعارات الاستقلال وتحرير الإرادة الوطنية بعد ثورة 1952، فإن الدولة العميقة المرتبطة بالمستعمر حافظت على الكثير من نفوذها، وتكيفت مع كل تغيير شكلي.

من أين يبدأ التحرير الحقيقي؟

لا يكفي تغيير الوجوه أو رفع الشعارات. فالنظام الذي أنتج الفساد والاستلاب لا يسقط بتغيير رأسه، بل بتفكيك مفاصله، وتجفيف منابعه، وقطع روابطه العضوية مع شبكات الهيمنة الخارجية.

وحتى يتحقق ذلك، لا بد من مسار مركب:

  1. التحكم في مراكز النفوذ العميقة

الجيش، القضاء، التعليم، الإعلام، المال… كلها ساحات حاسمة في معركة التحرر.

  1. بناء جبهة داخلية موحدة

التغيير الحقيقي لا تصنعه النخب المعزولة، بل التحالفات العريضة التي تتجاوز الانتماءات الضيقة وتبني على المطالب الاجتماعية والاقتصادية.

  1. اختراق لا صدام

عوضًا عن الصدام المباشر مع الجيش أو الإدارة، يمكن توظيف قوى وطنية من داخلها، تعمل على إعادة التوازن من الداخل، وتحويل المؤسسات إلى أدوات في يد الشعب لا سوطًا على ظهره.

  1. تفكيك الذرائع الأخلاقية والدينية للفساد

اللوبيات كثيرًا ما تحتمي بخطاب ديني أو وطني زائف. تفنيد هذا الخطاب، وفضح تناقضاته، شرط أساسي لكسر هيبته الزائفة.

  1. امتلاك الوعي وتوجيهه

الحرب اليوم ليست فقط على الأرض، بل في العقول. لا بد من تحرير الوعي من الأساطير المؤسسة للفساد: “هم يعرفون المصلحة العامة”، “البلاد لا تُحكم إلا بالقبضة الحديدية”، “الاستقرار أهم من الإصلاح”… إلخ.

في الختام

إن معركة تخليص البلاد من لوبيات الفساد ليست آنية ولا ظرفية، بل صراع استراتيجي على مستقبل الدولة نفسها. إما أن تنتصر إرادة التغيير الحقيقي، أو يظل الوطن رهينة لمن يرى فيه مزرعة خاصة لا وطنا يتسع للجميع.

حمادي سيدي محمد آباتي

زر الذهاب إلى الأعلى