فتح الحدود بلا رسوم: مخاطره على موريتانيا اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، قررت السلطات الموريتانية فتح الحدود أمام المواطنين السنغاليين دون رسوم دخول أو إقامة. في ظاهرها، قد تبدو هذه الخطوة بادرة حسن جوار، لكنها في عمقها تعكس تهديداً حقيقياً للنسيج الاقتصادي والاجتماعي والأمني لدولة بالكاد يتجاوز سكانها الخمسة ملايين نسمة، وتعيش أزمة حكامة حادة رغم ثرائها الطبيعي والجيواستراتيجي.
موريتانيا: بلد غني وفقير في آن واحد
تعاني موريتانيا من مفارقة صارخة: فهي دولة تزخر بالثروات الطبيعية – من الذهب والحديد والسمك والغاز – لكنها تعاني من فقر مدقع نتيجة سوء توزيع الموارد واحتكار لوبيات للثروة والقرار. هذه اللوبيات تورث النفوذ لأبنائها، فتجد من يتقاعد منهم يتولى رئاسة هيئة دستورية أو مجلس إدارة، فيما يُوظف أبناؤه وبناته في المناصب العليا دون مؤهلات، وتوزع صفقات الهيئات على دوائر المحسوبية. والنتيجة: شباب يهاجر، أحياناً في سن المراهقة، إلى أمريكا وأوروبا ودول الجوار، بحثاً عن حياة أكثر عدلاً وإنصافاً.
الخلل الديمغرافي المحتمل
حين تفتح موريتانيا حدودها بالمجان أمام دولة كدولة السنغال التي يناهز عدد سكانها العشرين مليون نسمة، فإن ذلك يُنذر باختلال التوازن الديمغرافي، خاصة في ظل التقارب السكاني بين المناطق الحدودية. فما الذي يمنع تدفق عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف من السنغاليين للاستقرار في مدن موريتانيا والاستفادة من خدماتها المجانية؟ وما الذي سيحدث حين يضطر المواطن الموريتاني إلى تقاسم مستشفىً مكتظ، أو مقعد في مدرسة فقيرة الموارد، أو وظيفة نادرة مع وافد لا يدفع للدولة شيئاً؟
سوق العمل والضغط على الخدمات
الواقع يشي بأن السنغاليين – كما غيرهم من المهاجرين الأفارقة – يسيطرون بالفعل على قطاعات مهنية حيوية: البناء، الحدادة، النجارة، خدمات المنازل، الصيد، السياقة. ومع فتح الحدود، فإن هذه السيطرة ستزداد، مما يفاقم البطالة وسط شباب موريتاني أصلاً يعاني التهميش. كما أن الإعفاء من الرسوم يُحرم الدولة من مداخيل كانت تُحصَّل من رسوم الدخول والإقامة، ما يعني مزيداً من الضغط على خزانة عامة تعاني أساساً من سوء التسيير.
البُعد السياسي والأمني: التجنيس والتحريض
الخطر لا يقتصر على الاقتصاد والخدمات، بل يتعداه إلى السياسة والأمن. فالوافدون قد يتحولون إلى أداة بيد دعاة التفرقة والفوضى، يُحشدون في المظاهرات، ويُستخدمون كأدوات ضغط انتخابية، بل قد يتم تجنيسهم على نحو مشبوه لإعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية لصالح قوى معينة، في بلد لم يستكمل بعد بناء هويته الوطنية الجامعة.
مبدأ المعاملة بالمثل والإنصاف
في المقابل، فإن عدد الموريتانيين المقيمين في السنغال لا يتجاوز المئات، وغالبيتهم تجار تجزئة أو تجار مواشٍ موسميين، يتنقلون غالباً في مواسم الأعياد ويعود أغلبهم بعد انقضائها، إلى جانب بعض المرضى الذين يُجبرهم تدهور النظام الصحي الوطني على العلاج هناك، وعدد محدود من الطلبة. هؤلاء لا يشكلون عبئاً على السنغال، بل يساهمون – من خلال نشاطهم التجاري – في إنعاش السوق المحلي، ويدفعون ضرائبهم للدولة المضيفة. وكان الأحرى أن تُقابَل هذه العلاقة بمعاملة بالمثل تحفظ التوازن والمصالح المشتركة، لا أن تُفتح الأبواب من طرف واحد، وعلى حساب المواطن الموريتاني.
نحو سياسة هجرة متوازنة
إن فتح الحدود يجب أن يخضع لضوابط تراعي حجم السكان، قدرات الاقتصاد، وحساسية التوازن الاجتماعي. وكان الأولى أن تُحدّد نسب مقبولة لدخول الأجانب – مثلاً لا تتجاوز 10% من مجموعهم الحالي – مع الإبقاء على الرسوم كآلية تنظيمية ورقابية تحفظ للدولة حقها وتحمي أمنها.
فموريتانيا لا تملك ترف التجريب، ولا رفاهية التساهل في قرارات تمسّ صميم استقرارها. إنها بلد هش اقتصاديًا، غني موردًا، فقير حكامة، محاط بتحديات داخلية وخارجية. وأي فتح غير مدروس للحدود دون رسوم، قد يكون بمثابة فتح لباب لا يُغلق، ونقطة اللاعودة في مسار اختلال وطني قد يصعب تصحيحه لاحقاً.
حمادي سيدي محمد آباتي