اقتصاد

مصر تُعدل سياسة رسوم دخول المواقع الأثرية: معاملة السائح العربي كالأجنبي بدءًا من يناير 2026

بعد أكثر من عقدين من مساواة السائح العربي بالمواطن المصري في أسعار دخول المواقع الأثرية والمتاحف، قرر المجلس الأعلى للآثار في مصر تعديل هذه السياسة، بحيث يُعامل السائح العربي ابتداءً من يناير/كانون الثاني 2026 معاملة السائح الأجنبي من حيث أسعار التذاكر، في خطوة تهدف، بحسب الجهات الرسمية، إلى تعزيز الاستدامة المالية لقطاع الآثار.

وأوضح المجلس، في بيان رسمي، أن القرار يُلغي ما أقرّه اجتماع مجلس الإدارة في 28 سبتمبر/أيلول 2002، والذي كان يمنح السياح العرب امتياز دخول المواقع الأثرية بنفس رسوم المصريين. وأشار إلى أن السياسة الجديدة ستتضمن فئتين فقط في نظام التسعير: “مصريون” و”أجانب”، دون استثناءات، مستندة في ذلك إلى الفوارق الكبيرة في مستويات الدخل بين الفئتين.

وأكد البيان أن التعديل يأتي في إطار تحقيق توازن بين إتاحة المواقع الأثرية لجميع الزوار، وضمان موارد مالية تُسهم في تطوير الخدمات، وتحسين البنية التحتية، والحفاظ على التراث الثقافي “الفريد” الذي تُعد مصر من أبرز حراسه عالميًا.

نمو ملحوظ في السياحة العربية

جاء هذا القرار في وقت تشهد فيه السياحة العربية إلى مصر نموًا لافتًا، إذ استقبلت البلاد نحو 2.85 مليون سائح عربي خلال عام 2024، تصدّرتهم السعودية، ثم الإمارات والكويت، ما شكّل نحو 18% من إجمالي السياحة الوافدة.

أما في الربع الأول من عام 2025، فقد تجاوز عدد السياح 3.9 ملايين زائر، بزيادة 25% عن نفس الفترة من العام السابق، وكانت الغالبية من دول الخليج.

وتسعى مصر إلى مضاعفة هذا الرقم قبل نهاية العام، إذ تستهدف “الغرف السياحية” جذب 5 ملايين سائح عربي، ضمن خطة وطنية لتعظيم العائدات من القطاع السياحي، تشمل أيضًا زيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة مع دول الخليج، وتسهيل التأشيرات لمواطني دول المغرب العربي.

دعم اقتصادي أم خسارة رمزية؟

أكد المجلس الأعلى للآثار أن هذه الخطوة تُسهم في تحقيق التوازن المالي والتنمية المستدامة في قطاع الآثار.

وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد عبد اللطيف، مساعد وزير الآثار الأسبق، في تصريح لـ”الجزيرة نت”، إن القرار “صائب وجاء في توقيت ملائم”، مضيفًا أن أنظمة التسعير المزدوج معمول بها في معظم دول العالم، ولا تُعد تمييزًا بل سياسة اقتصادية توازن بين تشجيع السياحة وتعظيم العائدات.

وأشار إلى أن تحسين جودة الخدمات، من نظافة وإرشاد ومرافق، هو العامل الحاسم في جذب السياح، وأن السائح لن يتردد في دفع سعر أعلى إذا كانت التجربة تستحق.

من جانبه، أيّد المرشد السياحي لؤي أحمد القرار، معتبرًا أنه يصب في مصلحة الدخل القومي، موضحًا أن السائح العربي كان يدفع 60 جنيهًا فقط لدخول الأهرامات (نحو 1.2 دولار)، بينما يدفع الأجنبي 700 جنيه (حوالي 14.7 دولارًا) للتجربة نفسها، وهو تفاوت غير عادل اقتصاديًا، بحسب تعبيره.

وأشار إلى أن أغلب السياح العرب ينتمون إلى دول ذات دخول مرتفعة، وبالتالي فإن الفارق المالي لن يكون عائقًا حقيقيًا، خصوصًا إذا ترافق مع تطوير ملموس في تجربة الزائر.

مخاوف من أثر نفسي على السائح العربي

في المقابل، عبّر بعض المتخصصين في الشأن الثقافي والسياحي عن قلقهم من الأثر الرمزي لهذا القرار على السياح العرب، معتبرين أنه قد يُضعف من حماسة بعضهم لزيارة المواقع الأثرية.

وفي هذا السياق، قال المؤرخ وعالم المصريات بسام الشماع في حديث لـ”الجزيرة نت”، إن القرار “يستحق إعادة نظر عاجلة”، محذرًا من تجاهل الأثر النفسي على السائح العربي، الذي قد يشعر بأنه لم يعد يحظى بخصوصية معنوية كانت تعكس التقارب الثقافي والوجداني بين مصر والدول العربية.

وأشار الشماع إلى أن إعادة تصنيف الزائر العربي ضمن فئة “الأجانب” قد تترك أثرًا سلبيًا، خاصة أن كثيرًا من العرب يزورون مصر بدافع وجداني، ويشعرون بانتماء ثقافي لها.

السعر ليس كل شيء

أوضح الشماع أن رفع أسعار التذاكر ليس وحده العامل المؤثر في القرار السياحي، بل هناك عوامل أخرى مثل الشعور بالترحيب والخصوصية. واستشهد بسعر تذكرة المتحف الكبير، حيث يدفع المصري 200 جنيه (نحو 4 دولارات)، مقابل 1500 جنيه (حوالي 30 دولارًا) للأجنبي.

وأضاف أن الزائر لا يقتصر إنفاقه على سعر التذكرة فقط، بل يصرف أيضًا على الطعام، والمشتريات، والهدايا، ما يمثل مصدر دخل مهم للقطاع.

وساق مثالًا عالميًا بالمتحف البريطاني، الذي يضم نحو 7 ملايين قطعة أثرية ويتيح الدخول مجانًا، لكنه يعتمد على وسائل تمويل مبتكرة مثل صندوق زجاجي للتبرعات، بالإضافة إلى عائدات متاجر الهدايا.

واختتم الشماع حديثه بالقول: “أخشى أن يشعر بعض الزوار العرب بالغربة داخل مصر، حتى إن امتلكوا القدرة المالية على دفع الأسعار الجديدة، وقد يزور أحدهم مصر دون أن يدخل إلى معابدها أو متاحفها، أو ربما يُفضل وجهات سياحية لا تفرض عليه هذا الحاجز الرمزي”.

ودعا في ختام تصريحاته إلى إعادة النظر في القرار أو على الأقل تخصيص امتياز رمزي أو عملي للزائر العربي، حفاظًا على روابط الانتماء والتقدير المتبادل بين مصر وأشقائها العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى