دراسة تكشف أسرار مقاومة الخفافيش للسرطان وتفتح آفاقًا علاجية للبشر

كشفت دراسة علمية حديثة عن آليات بيولوجية متقدمة لدى بعض أنواع الخفافيش تُمكّنها من مقاومة السرطان والعيش لفترات طويلة تصل إلى 35 عامًا، أي ما يعادل نحو 180 عامًا بمقاييس عمر الإنسان، دون الإصابة بهذا المرض الخبيث. وتفتح هذه النتائج آفاقًا جديدة لفهم طرق الوقاية من السرطان وربما التوصل إلى علاجات فعالة للبشر في المستقبل.
الدراسة أجراها باحثون من جامعة روتشستر في الولايات المتحدة، بقيادة الدكتورة فيرا غوربونوفا والدكتور أندريه سيلوانوف، وكلاهما يعمل في قسم الأحياء ومعهد ويلموت للسرطان. وقد نُشرت نتائج البحث في مجلة Nature Communications، وكتب عنها موقع EurekAlert العلمي المتخصص.
الخفاش ومقاومة السرطان: ما الذي يجعلها مميزة؟
أجرى الباحثون تحليلات موسعة على أربع فصائل من الخفافيش الشائعة، واكتشفوا أنها تمتلك قدرات فريدة تمنحها مقاومة فعالة للسرطان، رغم أن خلاياها قادرة على التحول الخبيث بعد “ضربتين” فقط – أي طفرات محدودة – وهو أمر غير معتاد.
ومن بين أبرز هذه الفصائل، الخفاش البني الصغير الموجود في منطقة روتشستر وشمال ولاية نيويورك، الذي أظهر مستويات عالية من نشاط جين p53 – وهو جين مثبط للأورام يوجد أيضًا لدى البشر، لكنه يتعرض للطفرات في نحو نصف حالات السرطان لديهم، مما يعطل آلية الدفاع الطبيعية.
لكن الخفافيش، على عكس البشر، تمتلك نسختين نشطتين للغاية من جين p53، ما يسمح لها بالتخلص المبكر من الخلايا السرطانية من خلال عملية تعرف باسم موت الخلايا المبرمج (Apoptosis). والأهم من ذلك، أنها قادرة على موازنة هذه العملية بدقة فائقة، بما يمنع التدمير المفرط للخلايا السليمة.
دور التيلوميراز والمناعة الفائقة
أحد العناصر الحيوية الأخرى التي تمنح الخفافيش هذه القدرة المقاومة هو إنزيم التيلوميراز، الذي يظل نشطًا في أجسامها حتى مع التقدم في العمر. هذا الإنزيم يساعد في تجديد الخلايا ودعم إصلاح الأنسجة، وهو عامل رئيسي في مكافحة الشيخوخة. لكن ما يميّز الخفافيش هو التوازن بين نشاط التيلوميراز ونشاط p53، ما يمنع تحول الانقسام الخلوي إلى تكاثر غير طبيعي للخلايا السرطانية.
إضافة إلى ذلك، تتمتع الخفافيش بجهاز مناعي بالغ الكفاءة، قادر على التعرف المبكر على الخلايا السرطانية والقضاء عليها، إلى جانب قدرته العالية على السيطرة على الالتهابات التي ترتبط غالبًا بالأمراض المزمنة والسرطانية لدى البشر، خاصة مع تقدم العمر.
كيف يمكن تطبيق هذه النتائج على البشر؟
يشير الباحثون إلى أن السرطان هو عملية متعددة المراحل، وكلما طال عمر الإنسان، زادت فرص حدوث الطفرات المؤدية للسرطان، خاصة عند التعرض لعوامل خارجية مثل التلوث أو نمط الحياة غير الصحي.
غير أن الدراسة تُظهر أن الآليات الدفاعية الطبيعية القوية مثل نشاط p53 والتوازن المناعي يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا في مقاومة المرض. وهو ما يجعل الخفافيش نموذجًا بيولوجيًا يُحتذى به.
ويؤكد الفريق البحثي أن تعزيز نشاط p53 في الجسم قد يكون وسيلة فعالة لتقليل خطر الإصابة بالسرطان، وهو ما تحاول عدة أدوية مضادة للسرطان بالفعل تحقيقه. كما يرى الدكتور سيلوانوف أن زيادة آمنة في نشاط التيلوميراز قد تكون طريقة مستقبلية واعدة لتجديد الخلايا ومكافحة السرطان، على الرغم من أن هذا الجانب لم يكن محل الدراسة الحالية.
خلاصة
الدراسة تسلط الضوء على الخفافيش باعتبارها نموذجًا فريدًا في الطبيعة للمقاومة البيولوجية للسرطان والشيخوخة، وتفتح الطريق أمام بحوث طبية متقدمة قد تؤدي إلى علاجات أكثر فاعلية في مواجهة أحد أكثر الأمراض فتكًا بالبشرية.