اقتصاد

تحذير من التايمز: “بريطانيا مفلسة” بسبب سياسة سندات التضخم القديمة

أطلقت صحيفة التايمز البريطانية تحذيرًا لافتًا هذا الأسبوع، خلصت فيه إلى أن “بريطانيا مفلسة”، استنادًا إلى تقرير حديث من مكتب مسؤولية الميزانية (OBR)، والذي جاء في 65 ألف كلمة دون أن يذكر العبارة صراحة، لكنه أشار بوضوح إلى أن البلاد تواجه أزمة مالية غير مسبوقة.

الجذور: سندات التضخم “لينكرز”

تعود جذور هذه الأزمة إلى سياسة تم اعتمادها منذ أكثر من أربعة عقود، حين أصدرت الحكومة البريطانية عام 1981 سندات مرتبطة بالتضخم تُعرف باسم “لينكرز”. وقد اعتُبرت في ذلك الوقت خطوة مبتكرة تهدف إلى جذب المستثمرين عبر ضمان حماية أموالهم من التآكل بفعل التضخم. لكن، ومع تصاعد التضخم بعد جائحة كورونا، تحولت هذه السندات إلى عبء ثقيل على خزينة الدولة.

تكلفة الدين تتجاوز التعليم والدفاع

بحسب التايمز، ارتفعت تكلفة خدمة الدين العام من 25 مليار جنيه إسترليني عام 2020 إلى 105 مليارات جنيه في السنة المالية الأخيرة، وهو رقم يتجاوز ما تنفقه بريطانيا سنويًا على التعليم والدفاع مجتمعين. ففي حين تبلغ مخصصات التعليم 60 مليارًا، والدفاع 55 مليارًا، والشرطة 20 مليارًا، تبتلع خدمة الدين وحدها 105 مليارات.

وأرجعت الصحيفة هذه القفزة إلى تضخم مؤشر أسعار التجزئة (RPI) الذي بلغ ذروته عام 2022 عند 14.2%، ما رفع كلفة الفائدة على “لينكرز” بنحو 62.8 مليار جنيه في عامين فقط.

“لينكرز”: من ابتكار ذكي إلى فخ مالي

في ثمانينيات القرن الماضي، كان إصدار “لينكرز” بمثابة طوق نجاة للحكومة البريطانية التي عانت حينها من صعوبات كبيرة في الاقتراض، عقب الأزمات الاقتصادية في السبعينيات. وقد ساهمت هذه السندات في تعزيز ثقة المستثمرين، خصوصًا صناديق التقاعد التي احتاجت أدوات مالية تضمن عوائد حقيقية طويلة الأمد.

لكن المعادلة انقلبت تمامًا بعد 2020، حيث أصبحت بريطانيا أكبر مُصدر لسندات التضخم بين دول مجموعة السبع، إذ شكلت 25% من إجمالي ديونها، مقارنة بـ12% في إيطاليا، و7% في الولايات المتحدة، وأقل من 5% في ألمانيا.

ونتيجة لذلك، ارتفعت مدفوعات الفائدة البريطانية بمعدل أسرع من أي دولة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية أن ترتفع تكلفة خدمة الدين لتبلغ 132 مليار جنيه سنويًا بحلول 2030.

رايتشل ريفز مقيدة و”حراس السندات” يراقبون

تواجه وزيرة المالية البريطانية الجديدة رايتشل ريفز قيودًا شديدة في تنفيذ أجندتها، في ظل ما يُعرف الآن بـ”حراس السندات”، وهم المستثمرون الذين يراقبون بعناية توجهات الحكومة المالية، ويرفعون معدلات الفائدة فورًا إذا شكوا في وجود انحراف عن الانضباط المالي.

وقالت مصادر من وزارة الخزانة لـالتايمز إن وزراء المالية السابقين انجذبوا إلى الفوائد المنخفضة لهذه السندات، رغم التحذيرات المتكررة من مخاطرها طويلة الأجل، واصفين الإقبال القوي من صناديق التقاعد على “لينكرز” بأنه ساهم في تجاوز الخطوط الحمراء، قبل أن يعترف أحدهم قائلًا: “لقد ذهبنا بعيدًا جدًا في إصدار هذه السندات”.

من المسؤول؟

رغم عدم تحميل جهة رسمية بعينها المسؤولية، تشير الصحيفة إلى دور جهاز إدارة الدين الحكومي (DMO)، الذي أُنشئ عام 1998، وكان يديره السير روبرت سثيمان حتى استقالته عام 2024. ورغم أنه لم يطالب مباشرة بزيادة إصدار “لينكرز”، فقد وصفها مرارًا بأنها “عنصر أساسي في تمويل الحكومة”.

خليفته، جيسيكا بولاي، واصلت الترويج لوجود “طلب قوي من الأسواق”، رغم أن قرارات الإصدار كانت في النهاية بيد الحكومة، وليس الجهاز الاستشاري.

وفي منتصف العقد الماضي، حذرت لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس اللوردات من مخاطر الاعتماد على هذه السندات، لكن التحذير لم يُؤخذ بجدية. وحده مكتب مسؤولية الميزانية بدأ بقرع ناقوس الخطر بوضوح في عام 2017.

هل كانت “لينكرز” أداة لكبح الإنفاق؟

تسريبات حصلت عليها التايمز تشير إلى استخدام هذه السندات كأداة غير معلنة لكبح الإنفاق الحكومي، حيث إن أي توسع مالي يؤدي إلى تضخم أعلى، ما يعني تلقائيًا زيادة تكلفة خدمة الدين، ما يجعل الإنفاق الإضافي مكلفًا سياسيًا واقتصاديًا.

ورغم أن هذه النظرية لا تزال محل جدل، تؤكد الصحيفة أن ما لا يمكن إنكاره هو أن تجربة بريطانيا مع سندات التضخم تحولت إلى عبء طويل الأمد سيقيّد حركة وزراء المالية في المستقبل، وقد يعيد تشكيل السياسة المالية البريطانية لعقود قادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى