تكنولوجيا

مايكروسوفت تكشف عن “ماجورانا1”: شريحة كمومية ثورية قد تغيّر مستقبل الحوسبة

في خطوة تعدّ تحولًا تاريخيًا في مجال الحوسبة الكمومية، كشفت شركة مايكروسوفت مؤخرًا عن معالج كمومي جديد كليًا أطلقت عليه اسم “ماجورانا1” (Majorana1)، ويعتمد على مفهوم مبتكر يختلف جذريًا عن الأساليب التي تنتهجها شركات رائدة مثل “غوغل” و”آي بي إم”.

هذا الإنجاز الجديد يأتي في إطار سباق عالمي محموم بين عمالقة التكنولوجيا، ليس فقط لتطوير منتجات الذكاء الاصطناعي، بل للوصول إلى حاسوب كمومي تجاري، وهو ما يعتبره المتخصصون بمثابة “النقلة التقنية الكبرى” التي ستحدد ملامح السيطرة في عالم التكنولوجيا لعقود قادمة، وربما قرون.

حاسوب كمومي تجاري: السيطرة القادمة

من يتمكن من بناء أول حاسوب كمومي جاهز للاستخدام التجاري، سيكون قد وضع يده على مركز القوة التكنولوجية في العالم، كما حدث تمامًا مع اختراع الترانزستور عام 1947، والذي مثّل اللبنة الأساسية لانطلاق الثورة الإلكترونية.

ورغم أن السباق الكمومي يجري في الغالب بسرية تامة، إلا أنه بات من المعروف أن المنافسة تتركز بين أربع شركات كبرى: مايكروسوفت، وغوغل، وآي بي إم، وأمازون. وقد سبقت غوغل بخطوة حين كشفت عن حاسوبها “Willow”، قبل إعلان مايكروسوفت عن “ماجورانا1” بأيام قليلة.

لماذا تُعدّ الحوسبة الكمومية بهذا القدر من الأهمية؟

تعتمد جميع الأجهزة التقنية الحديثة على وحدة المعالجة المركزية (CPU)، وهي بمثابة “العقل” الذي يدير العمليات الحاسوبية المختلفة. وكلما زادت قوة المعالج، زادت سرعة وكفاءة الجهاز.

لكن هذه المعالجات التقليدية، ورغم تطورها، أصبحت عاجزة عن مواكبة بعض التطبيقات العلمية المتقدمة، ومن المتوقع أن تعجز أيضًا عن تلبية المتطلبات التجارية المستقبلية، خصوصًا مع اقترابنا من الحدود القصوى المنصوص عليها في قانون مور، الذي ينص على تضاعف القدرة الحاسوبية كل عامين.

وهنا تبرز الحواسيب الكمومية، التي تعتمد على وحدة تخزين “الكيوبت” (Qubit) بدلًا من “البت” التقليدي، ما يمنحها قدرة حسابية هائلة تمكنها من تنفيذ عمليات معقدة كانت تستغرق سنوات في ثوانٍ معدودة.

سواء تعلق الأمر بمحاكاة أدوية، أو تطوير ألعاب رقمية، أو بناء عوالم افتراضية، أو إنتاج فيديوهات ثلاثية الأبعاد، فإن الحواسيب الكمومية تفتح آفاقًا غير مسبوقة.

ابتكار “ماجورانا1”: ما الجديد الذي قدمته مايكروسوفت؟

أعلنت مايكروسوفت أن “ماجورانا1” يمثل تتويجًا لأكثر من 19 عامًا من البحث والتطوير، وضمّ أكثر من 160 باحثًا من نخبة مختبراتها. وجاءت أبرز إنجازات المشروع في أربعة اكتشافات فريدة، تظهر لأول مرة في تاريخ الحوسبة الكمومية:

  1. اكتشاف حالة جديدة من المادة تُعرف بـ”الموصل الفائق التوبولوجي”
  2. طريقة غير مدمرة لقياس الحالة الكمومية للجسيمات
  3. آلية جديدة لتخزين البيانات باستخدام هذه الحالة الجديدة
  4. إمكانية مضاعفة وإنتاج هذه الحالة صناعياً لأغراض تجارية

ويتمحور الابتكار حول جزيئات “ماجورانا”، وهي جسيمات فريدة من نوعها تمثل المادة ونقيضها في آن واحد، دون أن تتأثر بالعوامل الخارجية أو تتعرض للانهيار، خلافًا للجسيمات الكمومية التقليدية. وبفضل هذه الخصائص، استطاعت مايكروسوفت بناء شرائح كمومية صغيرة الحجم، عالية الكفاءة، ومقاومة للأخطاء، وهي أبرز العقبات التقنية في المجال.

نحو مليون كيوبت في شريحة قابلة للتكرار

تُعدّ قابلية التوسع من أهم إنجازات “ماجورانا1″، إذ تتيح بناء حواسيب كمومية تحتوي على مليون كيوبت في شريحة صغيرة واحدة، قابلة لإعادة الإنتاج التجاري، وهو ما لم تتمكن من تحقيقه أي جهة حتى الآن.

ويحل هذا الابتكار مشكلات جوهرية مثل:

  • تقليل حجم ومساحة الحاسوب الكمومي
  • تسهيل التبريد والتحكم في بيئة التشغيل
  • تقليص معدل الخطأ والبيانات التالفة

المرحلة التالية: إنتاج تجاري بحلول 2027

رغم أن مايكروسوفت أعلنت وصولها إلى مرحلة إنتاج الرقائق، فإن رحلتها لا تزال في بدايتها. إذ تسعى الشركة حاليًا لبناء مليون شريحة “ماجورانا1” كخطوة نحو تحقيق أول حاسوب كمومي تجاري حقيقي، وتتوقع أن تبدأ بالإنتاج على نطاق أوسع بحلول عام 2027.

من الحوسبة الكمومية إلى الذكاء الاصطناعي

لا تقتصر أهمية هذا الإنجاز على الحوسبة فحسب، بل تمتد إلى الذكاء الاصطناعي كذلك، حيث قد يكون هذا المشروع أول مساهمة فعلية من علم الأعصاب والفيزياء الكمومية الحديثة في تطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي مستوحاة من الواقع البيولوجي.

وكما صرّح البروفيسور سلوتين:
“رغم أن الذكاء الاصطناعي وُلد من رحم علم الأعصاب، فإننا اليوم أمام فرصة لإعادة هذا الترابط… وماجورانا قد يكون الجسر الحقيقي بين العالمين”.

زر الذهاب إلى الأعلى