تحالف المصالح رغم الجفاء: علاقة ترامب ونتنياهو بين الواقعية السياسية والتوتر الشخصي

رغم التوترات التي شابت العلاقة الشخصية بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – فإن الزعيمين تمكنا من الحفاظ على تحالف استراتيجي متين، تقاطعت فيه المصالح العميقة وتجاوزت الاعتبارات الشخصية، وفقاً لمراقبين ومحللين سياسيين.
ويشير البروفيسور جوزيف ناي، في مقال له بمجلة فورين بوليسي، إلى أن “العلاقات الشخصية بين القادة قد تسهم في تيسير المفاوضات أو تعقيدها، حتى في ظل توافق المصالح الوطنية”، وهو ما ينطبق بدقة على علاقة ترامب ونتنياهو.
فمن الناحية التاريخية، لطالما شهد العالم تحالفات كبرى تأسست على منطق المصالح رغم العداء الشخصي، كما حدث مع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس السوفياتي جوزيف ستالين خلال الحرب العالمية الثانية. ويعيد التاريخ نفسه، بصورة أخرى، في العلاقة بين ترامب ونتنياهو، التي اتسمت بتفاهم إستراتيجي حول قضايا الشرق الأوسط، بالرغم من الخلافات الشخصية العميقة التي ظهرت في مراحل متعددة.
التوتر خلف الكواليس
رغم التناغم الظاهري بين الرجلين في ملفات عديدة، لا سيما ما يتعلق بإيران و”صفقة القرن”، فإن العلاقة لم تخلُ من برود ظاهر خلف الأبواب المغلقة. ففي مذكراته، وصف جون بولتون – مستشار الأمن القومي السابق لترامب – لقاءات الرئيس الأميركي بنتنياهو بأنها “باردة، حسابية، خالية من الدفء الشخصي”.
أما صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فنقلت عن تقارير استخباراتية وصفت ترامب بأنه “غير متوقع، ويصعب التنبؤ بمواقفه أو استرضاؤه”، مما خلق تحديات في التنسيق بين الإدارتين، رغم وحدة الأهداف.
مصالح تتفوق على الكيمياء
تقاطعت البراغماتية الشعبوية لترامب مع النزعة المحافظة لنتنياهو في ملفات مصيرية، من أبرزها:
- الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني (2018): اعتبر كلا الزعيمين إيران تهديداً وجودياً يستوجب سياسة “الضغط الأقصى”.
- نقل السفارة الأميركية إلى القدس (2018): خطوة فُسرت على أنها مكافأة للإنجيليين من جهة، وهدية استراتيجية لنتنياهو من جهة أخرى.
- صفقة القرن (2020): مشروع منح إسرائيل امتيازات غير مسبوقة دون تقديم تنازلات حقيقية، واعتُبر لحظة مفصلية في تاريخ العلاقات الثنائية.
وفي هذا السياق، ترى مجلة ذا أتلانتيك أن نتنياهو “استغل براعة ترامب في تقويض إرث أوباما، وحوّل خطابه الانعزالي إلى مكاسب إسرائيلية سريعة”، بينما نظر ترامب إلى دعم إسرائيل كوسيلة لتعزيز شعبيته كصانع صفقات وتاريخ.
الخيانة السياسية والشرخ العميق
بلغت الخلافات ذروتها بعد انتخابات 2020 التي خسرها ترامب، إذ لم يتردد في اتهام نتنياهو بالخيانة على خلفية تهنئته المبكرة لجو بايدن، وقال: “أنا من قدّم لإسرائيل أكثر من أي رئيس أميركي، ثم يذهب نتنياهو ويدعم بايدن؟ إنها خيانة”.
تصريحات ترامب عكست جرحاً شخصياً لم يندمل، وكشفت هشاشة التحالف الذي كان قائماً على موازين دقيقة من المصالح المتبادلة أكثر من الانسجام العميق أو الثقة الشخصية.
4 أعمدة لتحالف غير مريح
رغم كل التوترات، حافظ التحالف بين ترامب ونتنياهو على تماسكه، مستنداً إلى أربعة مرتكزات:
- العداء المشترك لإيران: توحيد الجهود ضد “العدو المشترك” عزز التعاون الأمني والاستخباراتي.
- اتفاقات أبراهام: التطبيع مع دول عربية منح ترامب مكسباً داخلياً، ونتنياهو شرعية إقليمية.
- استقطاب الناخبين: استفاد ترامب من دعم اللوبي الإنجيلي، بينما وظّف نتنياهو قربه من واشنطن لتعزيز صورته أمام الناخب الإسرائيلي.
- فرض أمر واقع سياسي: دعمت سياسات ترامب مساعي إسرائيل في ترسيخ واقع استيطاني يصعب التراجع عنه.
غير أن المحللين يرون أن هذا التحالف كان، في جوهره، تحالفاً ظرفياً ووظيفياً، أكثر منه مشروعاً إستراتيجياً طويل الأمد، وهو ما عبّر عنه تقرير فورين بوليسي بوصف العلاقة بأنها “نموذج صارخ للبراغماتية السياسية، طُبقت فيها المصالح فوق كل اعتبار، لكنها افتقرت إلى الثقة المؤسسية والركائز المستدامة”.
التحالف يعود في نسخة جديدة
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025، أعيد إحياء التحالف مع نتنياهو، ولكن في سياق إقليمي أكثر اضطراباً، لا سيما في أعقاب حرب غزة التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ورغم استمرار التوتر الشخصي، اجتمع الرجلان في فبراير/شباط 2025 في البيت الأبيض، حيث أطلق ترامب تصريحات مثيرة للجدل، مقترحاً أن “تتولى الولايات المتحدة إدارة غزة”، وهو ما اعتبره نتنياهو “فرصة تاريخية”، بينما وصفه شركاؤه من اليمين الإسرائيلي بأنه “وصاية أميركية مرفوضة”.
فصل جديد.. المصالح تُجمّد الخلافات
سار التعاون السياسي قدماً رغم الاعتراضات، حيث دعمت إدارة ترامب غارات إسرائيلية على مواقع نووية في إيران، وواصلت عرقلة قرارات مجلس الأمن التي تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وفي الوقت نفسه، طرحت خطة أميركية لتهدئة النزاع في غزة، عُرفت إعلامياً بـ”خطة ويتكوف”، لكنها قُوبلت بالرفض من قبل حركة حماس والفصائل الفلسطينية، بسبب ما وصفته بـ”الشروط التعجيزية”.
ورغم الانخراط العميق في الملفات الساخنة، لم تُحل التصدعات الشخصية بين الزعيمين، حيث وصف موظف سابق في مجلس الأمن القومي لقاءهما بأنه “فعّال، لكنه بارد كالثلج”.
ختام: تحالف الضرورة لا تحالف الثقة
تتباين الآراء حول طبيعة العلاقة بين ترامب ونتنياهو: هل هي تحالف إستراتيجي مبني على رؤية موحدة؟ أم شراكة وظيفية تحكمها المصلحة واللحظة؟
ما يبدو واضحاً أن الكيمياء المفقودة بين الرجلين لم تمنع قيام تحالف فعّال ومؤثر، لكنه يظل تحالفاً هشاً، قابلاً للانهيار مع أول تغير في السياق أو القيادة، كما حدث بالفعل في فترة بايدن.
وبينما يتحرك ترامب لإعادة رسم المشهد الإقليمي بما يخدم أجندته، يجد نتنياهو نفسه مضطراً للمراهنة على شريك غير مريح، لكنه لا غنى عنه.