الأردن يتصدر الشرق الأوسط في نسب التدخين وسط تحذيرات من أزمة صحية واقتصادية متفاقمة

يواجه الأردن أزمة متصاعدة في معدلات التدخين، جعلته يتبوأ المرتبة الأولى في الشرق الأوسط من حيث نسبة المدخنين بين الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاماً، وفق تقرير صدر عن المجلس الأعلى للسكان عام 2024، استنادًا إلى بيانات منظمة الصحة العالمية التي قدرت عدد مستخدمي التبغ في البلاد عام 2022 بـ2.77 مليون شخص، بينهم 2.29 مليون رجل و483 ألف امرأة.
ويسلط التقرير الضوء على ظاهرة مقلقة، حيث أظهرت بعض المؤشرات أن إنفاق الأسر في محافظات مثل البلقاء والزرقاء والمفرق على منتجات التبغ يفوق ما تنفقه على اللحوم والدواجن، ما يكشف مدى تغلغل التدخين في أنماط الاستهلاك اليومي لدى شريحة واسعة من المواطنين.
تدخين يلتهم الدخل ويهدد الفقراء
تشير الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التبغ والتدخين (2024–2030) إلى أن الأردن يواجه معضلة حقيقية في توافق معدلات التدخين المرتفعة مع أهداف التنمية المستدامة. كما تؤكد على العلاقة الوثيقة بين انخفاض الوضع الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع نسب تعاطي التبغ، حيث أظهرت الدراسات أن الفئات ذات الدخل الأدنى تنفق على التدخين ما يفوق إنفاقها على الصحة والتعليم والطعام.
وتكشف الإحصاءات أن الفقراء في الأردن ينفقون على السجائر 25 ضعف ما ينفقونه على الرعاية الصحية، و10 أضعاف ما يُخصص للتعليم، و1.5 مرة أكثر من الإنفاق على الغذاء. ويبلغ متوسط الإنفاق الشهري على السجائر المصنعة حوالي 60.3 دينارًا، أي ما يزيد على 23% من الحد الأدنى للأجور.
تكلفة اقتصادية باهظة
يُقدَّر إجمالي الخسائر الاقتصادية السنوية الناجمة عن تعاطي التبغ في الأردن بـ1.6 مليار دينار أردني، وهو رقم يعكس العبء المالي الهائل الذي تتحمله الدولة والمجتمع نتيجة هذه الظاهرة.
نسب مقلقة وانتشار بين اليافعين
بحسب نتائج مسح STEPs لعام 2019، فإن 41% من الفئة العمرية بين 18 و69 عامًا في الأردن يستخدمون التبغ، بينما تبلغ نسبة مستخدمي السجائر الإلكترونية وأجهزة الفيب 9.2%. وتُظهر البيانات أن نسبة تعاطي التبغ التقليدي تصل إلى 65.3% بين الرجال، و16.4% بين النساء، بينما يستخدم 15% من الرجال و2.4% من النساء السجائر الإلكترونية.
وتؤكد الدكتورة لاريسا الور، أمينة سر جمعية “لا للتدخين”، أن المجتمع الأردني يشهد انتشارًا واسعًا للتدخين بين اليافعين، حيث بلغت نسبة المدخنين من الفئة العمرية 13–15 سنة نحو 24% (34% من الذكور و14% من الإناث)، وهو ما اعتبرته مؤشراً خطيراً في مجتمع يتسم بتركيبة شبابية، إذ إن أكثر من نصف سكان الأردن دون سن 19 عامًا.
“شركات التدخين تكسب الجولة”
في حوار سابق مع “الجزيرة صحة”، قالت الأميرة دينا مرعد، الرئيسة السابقة للاتحاد الدولي لمكافحة السرطان، إن شركات التبغ ما تزال تتفوق في حربها ضد جهود المكافحة في الأردن. وأوضحت أن تلك الشركات تعتمد استراتيجيات تسويقية ممنهجة تبدأ من المدارس لتغرس عادة التدخين في نفوس الشباب، مستهدفة الفئة العمرية بين 10 و26 عامًا، والتي تمثل الفترة الذهبية لتكوين الإدمان.
وأضافت الأميرة دينا: “رغم أن الأردن من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقية منظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ عام 2001، ورغم تعديلات قانون الصحة العامة، إلا أن غياب التطبيق العملي يجعل من تلك الإجراءات مجرد حبر على ورق”.
النكهات والإدمان الإلكتروني
أشارت الور إلى خطورة السجائر الإلكترونية والنكهات المصاحبة لها، إذ أظهرت دراسات أن 90% من الشباب الذين جربوا السيجارة الإلكترونية بدأوا باستخدامها بسبب النكهات، مثل الفواكه والسكاكر والنعناع، ليتحول ثلثهم لاحقاً إلى تدخين السجائر التقليدية.
وتحذر الور من أن هناك أكثر من 16 ألف نكهة متوفرة اليوم في الأسواق، تُستخدم كأدوات جذب قوية للمدخنين الجدد، لا سيما بين الفتيان والفتيات في سن المراهقة، وسط ضعف واضح في الرقابة والمساءلة.
أزمة وطنية تتطلب استجابة عاجلة
بات التدخين في الأردن أزمة وطنية عابرة للفئات العمرية والمناطق الجغرافية، تمس الصحة العامة والاقتصاد والاستقرار المجتمعي. ومع توقع ارتفاع نسبة المدخنين إلى 37.1% بحلول 2025، و38.3% بحلول 2030، فإن الحاجة إلى تدخلات جادة لم تعد تحتمل التأجيل.
وتبقى الأسئلة مطروحة:
- هل ينجح الأردن في قلب المعادلة الصحية والاقتصادية؟
- وهل تستطيع المؤسسات الرقابية الوقوف أمام نفوذ شركات التبغ؟
- وهل سيشهد المجتمع الأردني تغييرًا حقيقيًا في ثقافة التطبيع مع التدخين؟
الواقع الحالي يفرض تحركًا وطنيًا شاملاً، لا سيما في ظل استهداف شرائح الشباب والأطفال كجبهة جديدة لمعركة التبغ القادمة.