رأي آخر

بين تحصين النظام وحماية الوطن: أيّ أولوية يجب أن تُقدَّم؟

تهديدات حقيقية وحدود مفتوحة

يرى عدد من الضباط المتقاعدين أن الجيش الموريتاني لا يمتلك حتى الآن ما يكفي من التجهيزات العسكرية لمواجهة التهديدات الفعلية. فالحدود الشرقية والشمالية الشرقية، الشاسعة والمفتوحة، تشهد نشاطًا متزايدًا لجماعات متطرفة وخلايا تهريب وجريمة منظمة. ورغم خطورة الوضع، لا تزال قدرات الجيش محدودة، خصوصًا في ما يتعلق بالتدخل السريع والنقل الجوي والدعم اللوجستي.

الأسئلة تتعاظم: أين الطائرات العسكرية؟ أين إمكانيات التدخل السريع لنقل الجنود أو المعدات الثقيلة حين يُستدعى الأمر؟ ألا تدرك السلطة أن الحروب الحديثة لا تُدار من الثكنات وحدها، بل من الجو، ومن سرعة الاستجابة، ومن الاحترافية في الإمداد والمراقبة والتنسيق؟

معركة حاسي سيدي… آخر اشتباك؟

أحد أكثر الأسئلة حساسية، والتي يطرحها بصراحة بعض الجنرالات المتقاعدين، هو: لماذا لم يخض الجيش الموريتاني معارك حقيقية ضد الجماعات المسلحة منذ معركة “حاسي سيدي”؟
بل إن الجنرال محمد ولد المعيوف وصف تلك المعركة بأنها لم تكن مطمئنة في خطتها ولا نتائجها.

هل يعني ذلك أن هنالك اتفاقًا غير معلن مع بعض الجماعات المسلحة؟ هل تُشترى “التهدئة” بثمن غير معلوم، مقابل ترك الجيش وشأنه؟
هذه فرضيات تُتداول، ولا يمكن تأكيدها من دون شفافية حكومية. لكن مجرد طرحها يعكس انعدام الثقة بين الشعب ومؤسساته الأمنية والسياسية.

ميزانيات ضخمة… ولكن!

من المفارقات أن ميزانية الدولة تضاعفت خلال العقدين الأخيرين، ولكن المواطن لم يلمس أي أثر لذلك. لا في راتب معلم، ولا في ظروف طبيب، ولا في دعم العسكري على الحدود.

بينما تُمنح الامتيازات لمن يطلعون على “أسرار الدولة”: رخص صيد، قطع أرضية، عضويات أبدية في مجالس الإدارة. أسماء تتكرر في كل جيل، كأن الوظائف تورَّث كما يُورث العقار. أحدهم تجاوز التسعين ولا يزال يرأس مجلس إدارة، بينما أبناؤه وأحفاده يحجزون مقاعدهم في الدولة منذ الآن.

هذا الوضع لم يؤدِّ فقط إلى غلاء الأراضي السكنية، بل خلق طبقة من النافذين تعيش فوق القانون وخارج دائرة المساءلة.

تحصين النظام أم الدولة؟

من المؤسف أن يبدو النظام السياسي منشغلًا أكثر بتحصين نفسه من الداخل ضد الانقلابات، بدل تحصين الدولة من الخارج ضد التهديدات الوجودية.

يُصرف المال على أجهزة الرقابة السياسية، وعلى تقارير الولاء والاحتواء، بينما يُترك المواطن في الهشاشة، والجيش في العوز، والحدود في العراء.

إذا كانت وظيفة الجيش هي فقط حماية النظام من “زملائه” في الداخل، فمتى إذًا سيتفرغ لحماية الوطن من خطر لا يرحم، ولا ينام، ولا يعترف بحدود؟

الخلاصة: دولة بلا أمن… لن تدوم

الخطر ليس وهمًا. الجماعات المسلحة لا تحتاج جوازات سفر، بل ثغرة في يقظتنا. وإن لم يُعط الجيش الموريتاني أدوات الردع والمناورة، فإن كلّ ما نراكمه من استقرار داخلي سيكون مجرد هدنة مؤقتة.

على النظام أن يختار:
إما أن يحصن الوطن فيحصن نفسه طبيعيًا،
أو أن يحمي نفسه مؤقتًا على حساب الوطن، فينهار الكل عند أول هزة حقيقية.

“الدولة التي لا تؤمن حدودها، لا تستطيع أن تؤمن مستقبلها.”
— قول مأثور يصلح ليكون عنوان المرحلة.

حمادي سيدي محمد آباتي

زر الذهاب إلى الأعلى