هل يمكن أن تستمر شاحنة متهالكة بماكنة جديدة

موريتانيا بين ثروات واعدة ومنظومة مُنهكة
في العرف الهندسي، لا يمكن لشاحنة متهالكة الهيكل أن تستمر طويلاً حتى وإن زُوِّدت بأحدث محرك. فالمحرك وحده لا يصنع المعجزة ما لم يكن الجسم العام مؤهلاً للعمل. وعلى هذا المنوال، تبدو الجمهورية الإسلامية الموريتانية نموذجًا صارخًا لهذه المفارقة: بلد غني بالثروات، وفقير في النتائج.
ثروات بلا تنمية
موريتانيا تزخر بثروات هائلة ومتنوعة:
معادن نفيسة كـالذهب والحديد والنحاس.
شواطئ طويلة غنية بالأسماك.
مخزون معتبر من الغاز والنفط والفوسفات.
أراضٍ زراعية خصبة على ضفتي نهر السنغال وخلف السدود والقيعان.
تربة واعدة بإنتاج استراتيجي على مدار العام.
ورغم ذلك، فإن مؤشر التنمية يتدهور عامًا بعد عام، وكأن البلاد تتقدم إلى الوراء، أو كما يُقال شعبيًا: تتقدم على منوال البئر؛ كلما تقدمت، غرقت أكثر.
حين يتحول الفساد إلى نظام حكم
من أبرز أسباب هذا الإخفاق المزمن، استشراء الفساد وتحوله إلى ثقافة وسلوك دولة. لقد تم تمأسس الفساد عبر تحالف معقد بين السلطة القبلية والمصالح الفئوية الضيقة. فالنظام الإداري لا يوزّع المناصب وفقًا للكفاءة أو الاحتياج الوطني، بل بناءً على المحاصصة القبلية، حيث تُراعى مصلحة القبيلة لا مصلحة الدولة.
في دولة يوزع في النفوذ على أساس الانتماء القبلي تصبح الكفاءة عبثا والنزاهة تهديدا
وهكذا، تحوّل “أطر” القبائل الذين يُفترض أنهم عماد الإدارة الوطنية إلى وسطاء محاصصة لا مهندسي إصلاح، مما أفشل أي مشروع تنموي جاد.
التعليم… الجريمة الكبرى في حق الأجيال
لم يكن قطاع أكثر تضررًا من هذه الفوضى مثلما تضرر قطاع التعليم. فمنذ أن قرر الرئيس المؤسس المختار ولد داداه تعميم التعليم، بدأ الورثة الحقيقيون للمستعمر في العمل على إفراغ هذا القرار من محتواه.
فانتشر التعليم بشكل عشوائي، دون تخطيط أو إعداد، مما اضطر الدولة إلى اكتتاب معلمين يفتقرون إلى التكوين والخبرة. وكلما تغير رأس النظام، عاد الحديث عن “إصلاح التعليم” لتنظيم أيام تشاورية تنتهي دائمًا إلى اللاشيء.
ومؤخرًا، تم الالتفاف على القانون التوجيهي لإصلاح التعليم عبر ترخيص سبع مدارس خصوصية، تعتمد البرنامج الفرنسي، وتقع جميعها في الأحياء الراقية التي شُيّدت بأموال الدولة، وتسكنها النخبة الثرية
حين تصبح رسوم السنة الأولى ابتدائية مائة الف أوقية اي ما يعادل راتب معلم فأعلم هناك من يشتري المستقبل ليمنعه عن الاخرين
نحو انفجار اجتماعي مبرمج
إن استمرار هذا النهج لا يؤدي فقط إلى تعطيل التنمية، بل يُنذر بشرخ اجتماعي عميق. إذ يشعر الكثير من المواطنين، خصوصًا من الفئات الشعبية والمهمشة، بأنهم مستبعدون عن فرص العيش الكريم.
هذا الشعور يغذي نزعات الانفصال أو التمرد الإثني، ويجعل اتهام موريتانيا بتطبيق نظام “آبارتيد” أقرب إلى الواقع منه إلى الشطط. فما الفرق بين نظام يُقصي على أساس اللون أو العرق، وآخر يُقصي على أساس الطبقة والانتماء القبلي والموقع الجغرافي؟
حين يحتكر التعليم الجيد في حي الاغنياء وتترك بقية الاحياء للتعليم المهزوز يكون ذلك اعلانا غير مكتوب لنظام طيقي قاس
هل من مخرج؟
لا يمكن لأي بلد أن يستفيد من موارده، ما لم يُعد بناء مؤسساته، ويستبدل منطق الزبونية بمنطق العدالة. ومهما كانت جودة المحركات التنموية – من ثروات ومشاريع واستثمارات – فإنها لن تُجدي نفعًا ما لم يُصلح الهيكل.
المعادلة بسيطة لا يمكن لشاحنة متهالكة ان تبلغ وجهتها مهم كان محركها جديدا.
حمادي سيدي محمد آباتي