ترامب يفجّر أزمة دبلوماسية مع كندا بعرض صادم للانضمام إلى “القبة الذهبية”

في خطوة أثارت موجة من الجدل، وجّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اقتراحًا مثيرًا للجدل إلى كندا، طالبًا منها دفع 61 مليار دولار للانضمام إلى منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية “القبة الذهبية”، أو التخلي عن سيادتها والانضمام إلى الولايات المتحدة باعتبارها الولاية رقم 51، مقابل دخول مجاني إلى المنظومة.
الطرح الذي جاء بنبرة استفزازية، اعتبره العديد من المسؤولين الكنديين بمثابة “ابتزاز دبلوماسي”، لا يليق بالعلاقات التاريخية بين البلدين. السفير الكندي لدى الأمم المتحدة، بوب راي، وصف التصريحات بأنها خارجة عن السياق وتفتقر إلى الحد الأدنى من اللياقة، بينما رأت النائبة الكندية جودي سغرو أنها “مزحة ثقيلة” تسيء إلى العلاقة الوثيقة بين الجانبين.
استراتيجية Trump: التفوق والاستفزاز
يرى الدكتور يحيى اللهيب، الأستاذ المشارك في كلية العمل الاجتماعي بجامعة كالغاري، أن تصريحات ترامب تأتي في إطار نهجه السياسي القائم على الاستعلاء واستغلال التناقضات. وأوضح في حديثه لـ”الجزيرة نت” أن الهدف الأساسي من هذه التصريحات هو صرف الأنظار عن قضايا جوهرية داخل كندا، وإضعاف الانتقادات الموجهة إلى سياساته، خاصة في الملفات الاقتصادية والتجارية.
وأضاف اللهيب أن هذا النهج يروق لتيارات المحافظين الجدد، إذ يعكس رفضًا صريحًا للسياسات الليبرالية، ويسعى إلى إعادة إنتاج أفكار يمينية مغلّفة بخطاب اقتصادي، لكنها تتضمن في جوهرها توجهات عنصرية، لا سيما تجاه المهاجرين والسكان الأصليين.
ورغم ما أثارته هذه التصريحات من جدل، يرى اللهيب أن تأثير ترامب على العلاقات الكندية الأميركية يظل مؤقتًا، لكنه في الوقت ذاته يمثل فرصة لكندا لإعادة توجيه اقتصادها نحو أسواق وشراكات بديلة، ما يقلل من تبعيتها للولايات المتحدة.
عبء اقتصادي محتمل
من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي الدكتور زياد الغزالي من أن الاستجابة لعرض ترامب والانضمام إلى منظومة “القبة الذهبية” سيشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الميزانية الكندية. وأشار إلى أن كندا تعاني أصلًا من عجز مالي متفاقم نتيجة التحديات الاقتصادية، أبرزها تراجع صادرات النفط، والانخفاض في الطلب الأميركي على السيارات الكندية، والتأثير السلبي للتعريفات الجمركية الأميركية.
الغزالي توقع أن يتجاوز العجز في الموازنة الكندية 62 مليار دولار كندي خلال العام الجاري، ما يمثل أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، محذرًا من أن هذا الوضع سيضعف قدرة الحكومة على الوفاء بوعودها، خصوصًا فيما يتعلق بالرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة.
تحذير من أعباء إضافية
في السياق ذاته، أكد الدكتور عاطف قبرصي، أستاذ الاقتصاد بجامعة مكماستر، أن انضمام كندا إلى “القبة الذهبية” إلى جانب مساهمتها في خطة الدفاع الأوروبية، سيفرض ضغوطًا هائلة على الميزانية الكندية. وأضاف أن ذلك قد يقوّض جهود الحكومة في خفض البطالة وتحسين ظروف المعيشة، كما قد يؤثر سلبًا على قطاعات إنتاجية مهمة.
قبرصي أشار إلى وجود شكوك كبيرة حول فعالية نظام “القبة الذهبية”، مستشهدًا بآراء خبراء يرون أنه لن يكون كافيًا لحماية كندا من التهديدات الصاروخية، في ظل تجربة “القبة الحديدية” في إسرائيل، التي لم تثبت فاعلية كاملة في صد الهجمات.
معضلة السيادة والاقتصاد
ووفقًا لما كشفه ترامب، فإن تكلفة مشروع “القبة الذهبية” تُقدّر بنحو 175 مليار دولار، بينما تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن كلفته قد تصل إلى 831 مليار دولار خلال العقدين المقبلين. ويُنظر إلى كندا على أنها شريك إستراتيجي في المشروع، نظراً لموقعها الجغرافي الحاسم في مراقبة التهديدات الصاروخية القادمة من روسيا، الصين، وكوريا الشمالية.
وفي الوقت الذي تمثل فيه المشاركة في هذا المشروع عبئًا ماليًا ثقيلًا، فإن رفضه قد يؤدي إلى توترات تجارية مع واشنطن تهدد مصالح كندا الاقتصادية، خاصة في قطاعات حيوية مثل النفط والغاز والزراعة. وقد يشكل التوجه نحو أسواق جديدة خيارًا بديلاً، لكنه يتطلب استثمارات ضخمة وبنية تحتية متطورة لا تزال غير متوفرة.
خلاصة: معادلة معقدة
يبقى العرض الأميركي المثير محل شد وجذب، حيث تواجه كندا خيارًا صعبًا بين حماية أمنها من خلال مشروع مكلف، أو الحفاظ على استقلال قرارها السيادي والاقتصادي. وفي كلا الحالتين، يبدو أن البلاد تحتاج إلى إدارة متوازنة وفعّالة لمواءمة متطلبات الأمن القومي مع ضرورات الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد.