الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا: خطوة تاريخية نحو التعافي الاقتصادي والسياسي

أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء الماضي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها مراقبون بأنها ذات أبعاد سياسية واقتصادية بالغة الأهمية. وأكدت كايا كالاس، ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أن الهدف من هذا القرار هو “مساعدة الشعب السوري على إعادة بناء سوريا جديدة تسودها السلم وتضم جميع الأطياف”، مشددة على التزام أوروبا المستمر بدعم السوريين على مدار السنوات الماضية.
وأوضح دبلوماسيون أوروبيون أن القرار يشمل رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت تستهدف قطاعات محددة مثل الاقتصاد والمصارف، بهدف دعم تعافي البلاد، مع الإبقاء على العقوبات العسكرية وتلك المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.
ورحّبت دمشق رسمياً برفع الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية عن سوريا، معتبرةً ذلك “خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح”، في وقت تسعى فيه السلطات لتعزيز التعافي الاقتصادي وتحسين علاقاتها مع الدول الغربية بعد نزاع استمر 14 عاماً.
أبعاد القرار الأوروبي
وفي تصريح لـ”الجزيرة نت”، رأى مازن علوش، مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، أن القرار الأوروبي يمثل فرصة لإعادة تفعيل النشاط التجاري واللوجستي، لا سيما في مجالات الاستيراد والتصدير للمواد الإنسانية والطبية والتجهيزات الصناعية. وأكد أن تعزيز التبادل التجاري عبر القنوات الرسمية من شأنه الحد من نشاط السوق السوداء والطرق غير القانونية، مما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.
مع ذلك، حذر علوش من الإفراط في التفاؤل، مشيراً إلى أن نجاح تطبيق القرار مرتبط بشموليته وآليات تنفيذه، إضافة إلى مواقف الدول المجاورة التي تشكل محاور رئيسية لعبور البضائع. وأوضح أن التنفيذ يتطلب تنسيقاً فنياً واسعاً مع شركاء إقليميين ودوليين لضمان استفادة المعابر والموانئ من هذا الانفتاح.
وكشف عن خطط لتحديث قوائم المواد المسموح بها للاستيراد والتصدير، بالتعاون مع الجهات الحكومية، مشيراً إلى تقييم فني جارٍ للبنية التحتية في المرافئ والمعابر تحسباً لازدياد النشاط التجاري المتوقع.
موقف المعارضة السورية
بدوره، اعتبر محمد علاء غانم، رئيس الشؤون السياسية في المجلس السوري الأميركي، أن العقوبات الأوروبية كانت ردّاً مباشراً على قمع النظام السوري منذ 2011، حيث استهدفت قطاعات النفط والمصارف والتكنولوجيا، إلى جانب حظر تصدير الأسلحة.
ورأى أن رفع العقوبات الأوروبية مؤخراً يعكس تناغماً مع سياسة الولايات المتحدة التي أعلنت مؤخراً نيتها تخفيف بعض عقوباتها، مؤكداً أن العقوبات الأميركية لا تزال الأشد تأثيراً على النظام. واعتبر أن التطورات الأخيرة جاءت نتيجة “جهد سوري منظم”، مؤكداً أن السوريين تمكنوا من تحقيق ما كان قد يستغرق سنوات خلال أشهر قليلة.
وأشار إلى أهمية الدور الأوروبي في المرحلة المقبلة، لكنه شدد على أن الولايات المتحدة تبقى اللاعب الأساسي في ملف العقوبات المفروضة على النظام.
فرص اقتصادية واعدة
اعتبر الباحث الاقتصادي د. خالد تركاوي من مركز جسور للدراسات القرار الأوروبي “فرصة تاريخية” لتعافي الاقتصاد السوري، خصوصاً عبر إعادة الاندماج في النظام المالي العالمي، مما يمكّن البنوك السورية من استئناف نشاطها ويسهل عمليات التحويل المالي والائتماني.
وأشار إلى أن الانفتاح الجديد قد يجذب الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في مشاريع إعادة الإعمار، ويسهم في تعزيز إيرادات الدولة من التجارة والضرائب، مما يقلل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
ولفت تركاوي إلى أن سوريا تمثل “أرضاً خصبة للاستثمار” في قطاعات الطاقة والنقل والزراعة، موضحاً أن إزالة القيود القانونية والمصرفية ستعزز من جاذبية السوق السورية.
وعلى صعيد الحياة المعيشية، توقع أن يؤدي القرار إلى انخفاض أسعار السلع، وتوفير فرص عمل من خلال مشاريع الإعمار، بالإضافة إلى تحسين الخدمات الأساسية كالكهرباء والصحة والتعليم، ما قد يشجع على عودة بعض المغتربين إلى وطنهم.
واختتم بالتأكيد على أن استقرار سعر صرف الليرة وتراجع معدلات التضخم سيكونان من النتائج البارزة للقرار الأوروبي، مما يسهم في خلق بيئة اقتصادية مستقرة وجاذبة للنمو والتنمية.
خلفية العقوبات الأوروبية
بدأ الاتحاد الأوروبي فرض العقوبات على النظام السوري منذ مايو 2011، مستهدفاً شخصيات وكيانات مرتبطة بالقمع، بالإضافة إلى حظر تصدير الأسلحة والتعامل مع البنك المركزي السوري. وتوسعت العقوبات لاحقاً لتشمل الرئيس السابق بشار الأسد وأفراد أسرته، حيث تم تجميد أصولهم ومنعهم من السفر.
كما شملت العقوبات حظراً على تصدير النفط والمعادن الثمينة، وفرض قيود مالية متنوعة. وبحلول منتصف 2012، شملت القائمة أكثر من 120 شخصية و40 كياناً، معظمها مرتبط بالنظام السوري، بهدف حرمانه من الموارد المالية المستخدمة في القمع، مع الحفاظ على تلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان.