اقتصاد

نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين: استثمارات متنامية وشراكة استراتيجية

تشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين تطوراً لافتاً يعكس تحوّلاً جوهرياً في خريطة الشراكة بين البلدين، معزّزاً بمكانة الصين بوصفها الشريك التجاري الأول لمصر، وبلوغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة قرابة 9 مليارات دولار حتى نهاية عام 2024، موزعة على أكثر من ألفي شركة تعمل في قطاعات حيوية واستراتيجية.

وفي سياق دعم هذا التوجه، استضافت القاهرة مؤخراً ملتقى استثمارياً مصرياً صينياً ضمّ وفداً من 37 مستثمراً يمثلون 23 شركة صينية كبرى في قطاع الغزل والنسيج، بحسب ما أعلنت وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية.

استثمارات متسارعة تستند إلى موقع استراتيجي

يعكس الحضور الاستثماري المتنامي لبكين إدراكاً متزايداً لأهمية مصر الجيواقتصادية، باعتبارها جسراً يربط بين إفريقيا وأوروبا، وسوقاً واعدة تمتاز بوفرة الموارد البشرية والطبيعية، إلا أن هذا التوسع يثير في الوقت ذاته تساؤلات حول التوازن بين تعظيم المنافع المتبادلة وضمان حماية الصناعات الوطنية.

فمن جهة، تمثل الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والتصنيع والتكنولوجيا قوة دفع رئيسية لتحقيق أهداف التنمية في مصر، بينما من جهة أخرى، تبرز مخاوف من أن يؤدي هذا التوسع إلى منافسة غير عادلة للصناعات المحلية الناشئة، أو إلى تحويل مصر إلى سوق استهلاكي للمنتجات الجاهزة بدلاً من مركز إقليمي للإنتاج.

شراكة تنموية.. لا ديون

في خطوة نوعية تعزز أفق التعاون التنموي، وافقت الصين في أكتوبر 2023 على برنامج لمبادلة الديون مع مصر، يتيح تحويل جزء من الديون المستحقة إلى تمويل لمشروعات تنموية صديقة للبيئة، بموجب مذكرة تفاهم وقّعها الطرفان.

خريطة انتشار الاستثمار الصيني

تتوزع الاستثمارات الصينية على نطاق جغرافي واسع داخل مصر، من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس شرقاً، مروراً بالعاصمة الإدارية الجديدة والقاهرة والمدن الجديدة، وصولاً إلى مدينة العلمين الجديدة غرباً، وتغطي قطاعات متعددة تشمل الطاقة، الصناعة، الزراعة، التكنولوجيا، والسيارات.

وخلال العامين الماضيين، تمكنت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من جذب 128 مشروعاً استثمارياً بقيمة 6 مليارات دولار، شكلت الاستثمارات الصينية منها نحو 40%.

أرقام ومؤشرات

  • 9.4 مليارات دولار ديون مصر المستحقة للصين (2023-2024)
  • 2,066 شركة صينية تعمل في مصر
  • 15.5 مليار دولار حجم الاتفاقيات الاستثمارية الموقعة في منطقة تيدا (قناة السويس) حتى نهاية 2023
  • 17 مليار دولار قيمة واردات مصر من الصين
  • 500 مليون دولار فقط حجم الصادرات المصرية إلى الصين
  • تحالف مصري صيني لزراعة مليون فدان باستثمارات تُقدّر بـ7 مليارات دولار
  • 3 مليارات دولار قرض صيني لبناء “البرج الأيقوني” في العاصمة الإدارية

لماذا تختار الصين مصر؟

يرى مصطفى إبراهيم، نائب رئيس مجلس الأعمال المصري الصيني، أن زيادة الاستثمارات الصينية في مصر تعود إلى عدة عوامل، أبرزها الموقع الجغرافي، وحجم السوق المحلي، وتكلفة العمالة المنخفضة، بالإضافة إلى اتساع نطاق الشراكات المتاحة.

وأضاف في تصريحات للجزيرة نت أن التوترات التجارية العالمية، لا سيما بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا، تدفع بكين إلى البحث عن أسواق بديلة، ومصر تُعدّ بوابة عبور استراتيجية إلى الأسواق الإفريقية والأوروبية.

استثمارات مرنة وفوائد استراتيجية

وبحسب إبراهيم، فإن الاستثمارات الصينية تمتاز بمرونتها وقيمتها الاستراتيجية، إذ لا ترتبط غالباً بشروط سياسية، كما أنها تعتمد على إنشاء مصانع داخل مصر، ما يعزز الاستفادة من العمالة المحلية ويُجنّب المنتجات الصينية الرسوم الجمركية.

ورغم المخاوف المتعلقة بتأثيرها على الصناعات المحلية، يؤكد إبراهيم أن الاستثمارات الصينية تفتح آفاقاً للتنمية، وأن فوائدها على المدى المتوسط والطويل تفوق التحديات المحتملة.

بيئة محفزة للمستثمر الصيني

من جانبه، أوضح الدكتور إبراهيم مصطفى عبد الخالق، نائب رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس سابقاً، أن الصين تسعى لتعزيز وجودها الاستثماري في مصر بفضل ما توفره البلاد من مزايا جمركية وضريبية، واتفاقيات تجارة حرة تُتيح وصول المنتجات المصنعة في مصر إلى الأسواق العالمية دون رسوم.

وأكد أن المستثمر الصيني غالباً ما يدخل السوق المصري مزوداً بتقنياته وأدوات إنتاجه المتقدمة، وبتمويل ذاتي، ما يقلل الاعتماد على التمويل المحلي ويساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني.

فوائد متبادلة

يرى عبد الخالق أن التصنيع الصيني في مصر يساهم في خفض الاعتماد على الواردات وتقليل فاتورة الاستيراد، كما يُسهم في توفير العملة الصعبة وتنشيط قطاعات التصدير.

وختم بالإشارة إلى أن تطور البنية التحتية وتحسين مناخ الأعمال في مصر يمثلان بيئة خصبة لجذب استثمارات أجنبية مباشرة، لا سيما من الصين، بما ينعكس إيجاباً على معدلات التشغيل والنمو والتنمية الاقتصادية المستدامة.


هل ترغب في صياغة هذا التقرير بصيغة إنفوجرافيك أو تلخيصه في نقاط لأغراض النشر؟

زر الذهاب إلى الأعلى