الاقتصاد الباكستاني تحت وطأة المواجهات مع الهند: خسائر مباشرة وتداعيات بعيدة المدى

تأثر الاقتصاد الباكستاني سلبًا جراء المواجهات العسكرية الأخيرة مع الهند، والتي استمرت أربعة أيام خلال شهر مايو/أيار، وأثارت قلقًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية على حد سواء.
ورغم تقليل وزارة المالية الباكستانية من حجم التأثير المباشر، واصفة إياه بـ”الضئيل”، إلا أن التقديرات المستقلة تشير إلى أن الخسائر الاقتصادية كانت كبيرة، وتنوعت بين أضرار مباشرة وأخرى غير مباشرة قد تظهر آثارها على المدى البعيد.
تراجع في الأسواق وهروب رؤوس الأموال
مع تصاعد التوتر، شهدت بورصة كراتشي انخفاضًا ملحوظًا عقب الهجوم الذي وقع في 22 أبريل/نيسان بمنطقة بهلغام في كشمير الخاضعة للهند. ورغم تعافي السوق بعد وقف إطلاق النار، إلا أن حالة عدم اليقين طغت على المشهد الاستثماري.
وتأثرت العملة الوطنية أيضًا، إذ تراوح سعر صرف الروبية بين 280 و284 مقابل الدولار في السوق المفتوحة، قبل أن يستقر نسبيًا عند 278-280. كما أوقفت باكستان التجارة الثنائية مع الهند، ما أدى إلى نقص واردات حيوية مثل القطن، ووجه ضربة للصناعات المحلية.
السياحة لم تسلم بدورها من التأثر، مع انخفاض ثقة الزوار، وتراجع الاستثمارات، وازدياد وتيرة خروج رؤوس الأموال من السوق.
دعم دولي في وقت حرج
وفي خضم هذه الأزمة، وافق صندوق النقد الدولي على صرف الشريحة الثانية من قرض بقيمة 7 مليارات دولار، مقدِّمًا مليار دولار كدعم مالي يعزز موقف باكستان في مواجهة التحديات الطارئة.
ورغم هذا الدعم، حذر خبراء من أن المواجهات زادت من هشاشة الاقتصاد، في وقت تسعى فيه باكستان للتعافي من أزماتها المالية الداخلية.
تقديرات اقتصادية للخسائر
الخبير الاقتصادي شكيل أحمد رامي، المدير التنفيذي للمعهد الآسيوي لأبحاث الحضارة البيئية والتنمية، أوضح أن التكلفة الاقتصادية للمواجهات تراوحت بين مليار إلى 1.5 مليار دولار، وأشار إلى أن أغلب الخسائر جاءت نتيجة الإنفاق العسكري المباشر.
وأكد رامي أن النشاط الصناعي ظل مستقرًا نسبيًا خلال المواجهات، ولم تشهد الأسواق نقصًا في السلع أو اضطرابات حادة، كما أن خطوط التجارة الدولية بقيت مفتوحة. وأضاف أن سوق الأسهم أظهر تعافيًا ملحوظًا بعد انتهاء الأزمة.
اضطراب في الحياة اليومية وتأثير مباشر على المواطن
لكن المشهد الميداني عكس صورة أكثر قتامة، وفقًا لما أوضحه ميان أحمد سالك، الباحث الاقتصادي في معهد الدراسات الإستراتيجية، حيث شهدت الأسواق المالية اضطرابات حادة، وانخفضت ثقة المستثمرين بشكل واضح خلال أيام المواجهة.
وأشار سالك إلى أن سعر صرف الروبية تعرض لضغوط نتيجة هروب الأموال، كما تأثرت سلاسل الإمداد وأسعار الطاقة، ما ساهم في تعزيز مخاوف التضخم.
فعلى أرض الواقع، تعطلت الحياة في بعض الأقاليم، إذ أغلقت المدارس والجامعات في البنجاب، وأُلغيت رحلات جوية، مما كبّد قطاعات السياحة والتجارة وسفر الأعمال خسائر فادحة. كما ارتفع الإنفاق العسكري، مفاقمًا الضغط على الميزانية العامة.
تعليق معاهدة مياه السند.. تهديد خطير
في خطوة اعتُبرت تصعيدًا غير مسبوق، أعلنت الهند تعليق العمل بمعاهدة مياه السند، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لقطاع الزراعة في باكستان، الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على نهر السند في تأمين المياه. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تُدخل البلد في أزمة مائية وزراعية، تُفاقم من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
الطرفان خاسران.. والهند ليست بمنأى
من جانبها، رأت الكاتبة والمحللة الاقتصادية عاصمة ودود أن كلا الطرفين، رغم التباين بين حجم اقتصاديهما، سيتحملان عبء التكاليف. وأشارت إلى أن الهند، التي أبرمت مؤخرًا صفقات استثمارية كبرى مع الولايات المتحدة، بحاجة ماسة إلى استقرار إقليمي للحفاظ على تدفق الاستثمارات.
كما أكدت ودود أن الأثر الاقتصادي لتلك المواجهات لا يقتصر على البلدين فقط، بل يسهم في تغيير موازين القوة في المنطقة، خاصة في ظل تصاعد الإنفاق العسكري الذي من المتوقع أن ترتفع موازناته في كلا البلدين، بما يزيد من الضغوط على اقتصادهما في المستقبل القريب.