صحة

باحثون: ارتفاع مقلق في معدلات التوحد بأميركا.. والأسباب تتجاوز مجرد الأرقام

كشفت بيانات فدرالية حديثة في الولايات المتحدة عن زيادة لافتة في معدلات انتشار اضطراب طيف التوحد بين الأطفال، وهو ما وصفه الباحثون بأنه تطور مثير للقلق، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن فهم هذه الظاهرة يتطلب النظر إلى ما هو أبعد من الأرقام.

فوفقاً لبيانات نشرتها “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” (CDC) في 14 أبريل/نيسان الجاري، ارتفعت نسبة الأطفال المشخصين بالتوحد في عموم البلاد من واحد بين كل 36 طفلاً إلى واحد بين كل 31. هذه الزيادة دفعت خبراء إلى تسليط الضوء على الأسباب المحتملة وتقديم تفسيرات متعددة، بحسب ما نقلته مجلة نيوزويك الأميركية.

تشخيص أفضل ووعي متزايد

يقول البروفيسور يورغن هان، عضو المجلس الاستشاري العلمي لمعهد أبحاث التوحد في الولايات المتحدة ورئيس قسم الهندسة الطبية الحيوية في معهد رينسيلار بوليتكنيك، إن هذا الارتفاع لم يكن مفاجئاً، إذ يندرج ضمن اتجاه متواصل منذ سنوات. وأضاف: “نحن نعلم أن المعدلات في ارتفاع، لكننا لا نملك تفسيرات دقيقة لذلك. فبعض الدراسات تشير إلى أن مضاعفات الحمل قد تزيد من خطر الإصابة، لكنها لا تفسر الارتفاع الكلي.”

بدورها، أكدت الدكتورة روما فاسا، مديرة الخدمات النفسية بمركز خدمات التوحد والابتكار في معهد كينيدي كريجر، أن تقرير الانتشار الأخير مفيد في تتبع اتجاهات التشخيص. وقالت: “تزايد التشخيص يعود جزئياً إلى تحسن الوعي بين الأطباء وأولياء الأمور والمعلمين، إضافة إلى تسهيل الوصول إلى خدمات التقييم، وتوسيع معايير تشخيص التوحد.”

المعرفة المجتمعية والتشخيص المبكر

وفي الاتجاه ذاته، يرى الدكتور نايجل نيوبوت، الأستاذ المساعد في تقنيات التعلم المتقدمة بجامعة فلوريدا، أن الفهم المجتمعي للتوحد بات أعمق وأوسع نطاقاً من ذي قبل، مما يسهم في تحسين القدرة على رصد الأعراض المبكرة، لاسيما من قبل المعنيين في القطاعين الطبي والتعليمي.

ويُعد التشخيص المبكر عاملاً حاسماً، إذ يمكن أن يسهم في تحسين جودة حياة المصابين، لا سيما أن اضطراب طيف التوحد غالباً ما يظهر في السنوات الثلاث الأولى من العمر ويستمر مدى الحياة، باعتباره اضطراباً عصبياً ونمائياً معقداً.

عوامل غير مفسّرة

مع ذلك، يرى الدكتور روبرت ميليلو، عالم الأعصاب المتخصص في اضطرابات النمو الدماغي، أن تحسين أدوات التشخيص والوعي المجتمعي لا يفسران سوى نصف الزيادة تقريباً. وقال: “حتى مع تحسن أدوات الرصد والتقييم، لا تزال هناك نسبة كبيرة من هذه الزيادة تفتقر لتفسير علمي واضح.” وأضاف: “من يعمل في التعليم أو الرعاية الصحية يدرك أن الزيادة في أعداد الأطفال المصابين بإعاقات متنوعة باتت أمراً ملموساً ومتصاعداً.”

خلاصة

رغم التقدم في أدوات التشخيص وتزايد الوعي المجتمعي، يبقى ارتفاع معدلات التوحد في الولايات المتحدة ظاهرة متعددة الأبعاد، تجمع بين العوامل البيئية، والصحية، والتقنية، وربما حتى الاجتماعية. وهو ما يدعو، بحسب الباحثين، إلى المزيد من الدراسات لفهم الأسباب الكامنة، وإلى تعزيز الجهود للكشف المبكر والتدخل العلاجي الفعال.

زر الذهاب إلى الأعلى